ادعى الصحفى عماد جاد، فى خطابه الطائفى المتعصب الذى يتبنى فيه إنشاء «أكاديمية رياضية للأقباط»، وكأننا فى معرض تقسيم مؤسسات ومرافق وكيانات البلاد إلى مسلم وقبطى، وهذه دعوة ضريرة وخطيرة دعا سيادته لتبنيها، أن هناك تضييقاً على الأقباط فى المجال الرياضى، وعَقَّبَ فى سخرية لا تفوت أنه لا مكان لهم فى فريق «الساجدين»، وادعى فيما ادعاه أن النادى الأهلى يُعَدّ من أكثر الأندية الرياضية رفضاً لقبول الأقباط، وساق تأييداً لهذا الزعم أن الطفل القبطى «مينا» تجاوز التصفيات التمهيدية كحارس مرمى، ولكن الكابتن إكرامى استبعده من التصفيات النهائية لمجرد الهوية الدينية. وعاد سيادته فى عموده الثانى معللاً تبنيه أو ترحيبه بالأكاديمية الرياضية للأقباط، بأنه عايش عشرات وقائع منع الأقباط من الالتحاق بالأندية الرياضية، وأن سيادته قد تلقى عشرات الشكاوى من أسر مسيحية تشكو فيها من طرد أبنائهم من أندية شهيرة على خلفية الدين، بإسقاطهم «عمداً» فى الاختبارات، أو منعهم من دخولها أصلاً!!
اختيارات المواهب لمصلحة الأندية لا تفريط فيها
والذى يعرفه الرياضيون أن انتقاء المواهب يتم «بلا واسطة»، ومن المحظور على أى عضو بالنادى الأهلى الذى يكيل سيادته إليه بغير حق أن يتدخل فى انتقاء موهبة، فذلك لعين الخبير، لأن المضرور فى حالة الخطأ هو النادى الذى يسعى لاختيار أفضل المواهب ثم صقلها لتكون عماد فرقه فى المستقبل.
وليس معنى هذا أن الخبير محصن من الخطأ فى التقدير، فأحياناً ما يخطئ ويستبين لاحقاً أن المستبعد على موهبة أو كفاءة، وليس بعيداً عن الأذهان أن اللاعب الفذ محمد صلاح صَرَفَ نادى الزمالك النظر عن ضمه، ثم ها هو يملأ الدنيا فى كل مكان، ولم يقل قائل ولا متقوّل إن استبعاد هذا أو ذاك كان بسبب الديانة!
النادى الأهلى قلعة الإخاء
يعرف المتابعون الحقيقيون، بلا تحزب ولا تعصب، أن النادى الأهلى يتلقى بالأحضان كل موهبة أياً كانت ديانتها، ولم يقتصر ذلك على الكابتن هانى رمزى الذى صال وجال فى النادى الأهلى، وتولى تدريب أندية إنبى والمقاصة والداخلية والاتحاد السكندرى، كما درب الفريق الأولمبى، وابنه لاعب بالأهلى حالياً، دون أن يتوقف أحد عند ديانة الأب أو ابنه، وتاريخ النادى الأهلى شاهد على ذلك وعلى مدار تاريخه سواء بالنسبة لمدربى كرة القدم، أو اللاعبين.
لقد درب النادى الأهلى، وكلهم مسيحيون، هيديكوتى المجرى، ومانويل جوزيه البرتغالى حاصد البطولات الذى يعشق الأهلى عشقاً لا يصبر معه على البعد عنه، وكارلو جاريدو الإسبانى، وبسيرو البرتغالى، والهولندى مارتن يول.. وكان النادى الأهلى أول من استعان بالمدربين الأجانب، وهم مسيحيون، وتعاقب على تدريبه، غير من ذكرت، كوتشيش، وآلان هاريس الإنجليزى، وراينر تسوبيل، وراينر هولمان، وفيرتز النمساوى، والألمانى ديترتش فايسا، والمجرى تيتكوش، والإنجليزى جون ماكبرايد، والألمانى هانز ديكس، والبرتغالى تونى أوليفيرا، والإنجليزى مايكل إيفرت، والهولندى بونفرير، ولم يرفض النادى الأهلى مدرباً لديانته المسيحية.
أما اللاعبون الأجانب المسيحيون، فمنهم وأنا أتحدث من الذاكرة، فلافيو، وجلبيرتو اللذان عشقا النادى ويداومان على زيارته والمشورة عليه باللاعبين الأفارقة المسيحيين، وفيلكس، وماليك إيفونا، وكوليبالى، ودومنيك داسيلفا، وفرنسيس إدو، وجون أنطوى، وجونيور أجايى، وباكا.. وغيرهم.
عدم إقبال المسيحيين بصفة عامة على كرة القدم
لو تأمل المنطق الطائفى المتعصب، للاحظ أن نادى دجلة خالٍ من أى لاعب كرة قدم مسيحى، مع أن مالك النادى هو ماجد سامى المسيحى الديانة، وبداهةً لم يكن ذلك موقفاً معادياً من ماجد سامى للمسيحيين، وإنما هى ظاهرة يراها المتجردون، أنه مع إقبال المسيحيين على جميع اللعبات، فنراهم يمارسون التنس والبنج بنج والكرة الطائرة والهوكى وكرة السلة والسباحة وكرة الماء والتجديف، وينبغ منهم أبطال يمثلون أنديتهم وبلادهم فى هذه اللعبات.
بيد أن إقبال المسيحيين على كرة القدم نادر، ولا شك أن هناك منطقاً وراء ذلك، قد يمكن استنتاجه، ولكنى لا أحب التجديف.
لقد زاملت بفصول التعليم عشرات الأحبة من الأصدقاء المسيحيين، بالمرحلة الابتدائية، والثانوية، والجامعية، فلاحظت أنهم مع إقبالهم على مختلف الألعاب، فإنهم يندر أن يتجهوا إلى كرة القدم.
آخر ما يمكن تخيله، أن يكون هناك موقف فى الرياضة ضد الأقباط، ناهيك بالنادى الأهلى الذى كان ولا يزال عنواناً للإخاء والتكافل الإنسانى والقيم الإنسانية.
فريق الشمس وتجربتى الشخصية
التحقت نيفاً وثلاثين سنة بفريق الشمس بالنادى الأهلى لنمارس كرة القدم، ولم يوقفنى سوى تآكل القدرات البدنية. على أن ما يحكى عن هذا الفريق أن «كابتنه» الأشبه بالإمبراطور الذى لا يرد له أمر، هو المرحوم الأستاذ أنيس عطية شنودة المحامى، ظل على مدار عمره وحتى فارق الحياة وهو على مشارف الثمانين يقود هذا الفريق بأجياله المتتابعة، أوامره فرمانات، مهما كانت غير منطقية أو جائرة، ويتمتع وسط هذه الأجيال بمكانة وسلطة بلا حدود، تخول له أن يطرد من الملعب من يشاء، أو يستبعد من اللعب من يشاء، أو أن يأمر الكابتن صالح سليم رغم المعروف عنه بأن يلعب ضربة الجزاء لفريقه من على خط الـ(18) وليس من نقطة الجزاء، فينصاع «صالح» بلا مناقشة، وكان يحسب من الأهداف الخاطئة ما يشاء، ويلغى من الأهداف الصحيحة ما يشاء، فلا يناقشه أحد أو يرد عليه أوامره.
كان معنا فى هذا الفريق من المسيحيين، ملاك إسكندر، وفؤاد جيد، ونادر خورى، وغيرهم، فضلاً عن الكابتن أنيس عطية شنودة.. وآخرين.
بقى أن تعرف أن هذا الفريق، بأجياله المتعاقبة التى عاصرتها، كان يضم عمالقة فى كرة القدم، وفى المناصب المرموقة، وفى الفن، وكلهم على سمو مكانتهم يطيعون الكابتن أنيس عطية شنودة ويمتثلون لأوامره، دون أن يدُر بخلد أحد أنه قبطى وأنهم مسلمون.
زاملت بالملعب فى هذا الفريق، من عمالقة كرة القدم، مختار التتش، وفؤاد صدقى، وأبوحباجة، وفتحى خطاب، واللواء طيار محب يوسف، والكابتن توتو أحياناً، وصالح سليم، وعبدالوهاب سليم، وطارق سليم، ووجيه مصطفى، وأحمد سقراط، ومراد نديم، ورضا عبدالحميد، والعميد عباس لبيب، وطه إسماعيل، وعزت أبوالروس، وطلعت عبدالحميد، وعادل هيكل، وفاروق الضيظوى، وشوقى عبدالشافى، وزيزو أحياناً.. وآخرين.
ومن الرفقاء ذوى الحيثية والمكانة، سعيد سانتوس والد هشام سعيد، والمستشار خيرت الشاطر، واللواء محمود حلمى، واللواء إبراهيم العزازى، وسيد بركات مدير سينمات إخوان جعفر التى استولت عليها الدولة، وصديق العمر صلاح فهمى ابن عبدالرحمن بك فهمى بطل ثورة 1919، والدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد، والدكتور طلعت شتا، والدكتور محمد حمام الأستاذ بمعهد التربية الرياضية، وزميله الكابتن الغرباوى، والإخوة القليوبى، ومحمد أبوالروس، والكابتن صلاح المسامرجى حسب اللقب الذى أطلقناه عليه، والدكتور أسامة كنابين، واللقب مستعار للمداعبة، وقد تركنا إلى الدنمارك، وكان يلعب معنا أحياناً كمال حافظ، ومحمود شعير وابنه سمير. أما الفنان فريد شوقى، والمنتج جمال الليثى، فكان نادراً ما يتغيب أحدهما عن أيام اللعب الثلاثة: السبت، والثلاثاء، والخميس من كل أسبوع.
كنا جميعاً ننفذ أوامر الكابتن أنيس عطية شنودة وننصاع لها، ونسميه ويسمى نفسه من باب المداعبة «ملك الظلم»، ونحبه ونحترمه، وعشنا معه عشرات السنين فى رحاب النادى الأهلى، فى إخاء ومحبة ووداد، دون أى خاطر أو شاردة أن هذا مسلم وذاك قبطى.
أما اتهام مؤسسات الدولة، والاتهام الضرير بأن الأقباط تحولوا فى مصر إلى «ملف أمنى».. فتجاوُز خطير ومغلوط، أرجو أن يتواصل حديثنا عنه فى المقال المقبل إن شاء الله.