صارت «أيقونة» تتقاذفها شطآن التحدى، تبحث عن الحرية لكن أصفاد الاحتلال تكبل راحتيها الصغيرتين القابضتين على الجمر، وجنتاها تحمران غضباً وهى تصرخ فى وجه جنود الاحتلال الإسرائيلى: «فليسقط الاحتلال»، أعلنتها متحدية منذ نعومة أظفارها: الأرض لنا والعار لكم، هى «عهد» التى أصبحت حديث وسائل الإعلام العالمية، وحازت على أكبر تعاطف شعبى بعد انتشار الفيديو الذى تصفع فيه ضابطاً من جنود الاحتلال وهى تطرده وزميله من أمام منزل عائلتها فى بلدة النبى صالح، غربى مدينة رام الله بالضفة الغربية، وذلك على أثر اندلاع المظاهرات الغاضبة رداً على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، اعتقلت عهد التميمى، التى حافظت على «العهد» هى ووالدتها ناريمان وابنة عمها نور التميمى من منزلهن. أكثر من عشرين دورية اقتحمت قريتها وداهمت منزلها واعتدى عليها بالضرب وعلى عائلتها وصادروا أجهزة الكمبيوتر وهواتف محمولة وكاميرات، فقد اهتم جيش الاحتلال على نحو خاص باعتقال «عهد» كونها ضربت ضابطاً فى جيش الاحتلال وأهانته وسط جنوده أمام منزلها.
لم تجد إسرائيل فرصة أفضل من هذه لتروج لأخلاقيات جنودها!! فنشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مقطع فيديو وعهد التميمى تقوم بضرب الضابط الذى تعدى على حرمة منزلها للدعاية فى وسائل الإعلام، والدها باسم التميمى، الناشط السياسى المعروف، يعلم يقيناً أن اعتقالها جاء للدعاية والترويج فى وسائل الإعلام، فقبل وقوع الحادث دخل الجندى منزل عائلتها وضرب أخاها ذا الـ14 عاماً وأطلق النار على أشخاص كانوا هناك، كل ذلك كان أمام الأسرة فقط بعيداً عن أعين الكاميرات، بينما دارت الكاميرا لتظهر أن الجندى الإسرائيلى أخلاقى ويتعامل بالمعايير الإنسانية دون المساس بحقوقها، قررت محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية تمديد اعتقال «عهد» بحجة أنها تشكل خطراً على أمن الدولة!! بعد أن تصدر الفيديو وسائل الإعلام العبرية وهى تطرد عنصرين من جنود الاحتلال وتصفعهما على وجهيهما، قال الوزير الإسرائيلى نفتالى بينت محرضاً: «إن عليها أن تقضى حياتها فى السجن»، بينما وزير الحرب أفيجدور ليبرمان خرج بموقف متوقع حين دافع عن جيشه بوصفه أكثر جيوش العالم إنسانية ويتحلى بقيم لا مثيل لها، لكن يحظر على إنسانيتنا أن تكون على حساب الردع والقوة، معلقاً بلهجة تملؤها السخرية قائلاً: «من ينفلت بالنهار يعتقل بالليل»، أصبحت الشغل الشاغل لدوائر صنع القرار فى إسرائيل بعد أن أشعل الفيديو الذى أظهر «التميمى» وابنة عمها تقتربان من جنديين يستندان على جدار وتهاجمانهما بالدفع والركل والصفع واللكم، وبثت وسائل الإعلام العبرية الصور بشكل تحريضى باعتبارها إهانة للجنود، وحرص جيش الاحتلال على اعتقالها كونها أهانت الضابط وسط جنوده، بينما يُنكل كل يوم بآلاف الأطفال الفلسطينيين على يد جنود الاحتلال ضرباً واعتقالاً وتعذيباً وقتلاً والتى تعد جرائم حرب يعاقب عليها القانون ولا يحرك ساكناً!.
ترعرعت «عهد» على النضال، يجرى فى دمها حب الأرض، نشأت فى كنف عائلة رفضت أن تخضع لقوانين المحتل فتعرض والدها للاعتقال ما يقرب من 9 مرات، أما والدتها فاعتقلتها سلطات الاحتلال 5 مرات، وأخوها اعتقل مرتين، خلافاً لما عانته من فقدان لعمها وخالها اللذين استشهدا، فأصبحت العائلة مستهدفة من الإعلام وسلطات الاحتلال الإسرائيلى، اشتهرت «عهد» منذ طفولتها بمواجهتها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى بلدتها «النبى صالح»، بالضفة الغربية، يكاد لا يمر يوم جمعة دون أن تخرج «عهد» مع عدد من أهالى بلدتها فى مسيرات رافضة للمستوطنات ولوجود المحتل، باتت لا تخشى الاعتقال أو الاستشهاد، فهى تؤمن أن لهذا الحراك نتيجة، وترى أن الخروج والتظاهر وسيلة قوية تعلن لإسرائيل أن هناك أجيالاً مقبلة محافظة على «العهد» ومستمرة فى النضال.
المرة الأولى التى نشرت فيها صور «عهد» فى وسائل الإعلام عندما ظهرت وهى تهاجم أحد جنود الاحتلال أثناء اعتدائه على أخيها الطفل محمد التميمى، البالغ من العمر 12 عاماً، فى قرية النبى صالح، ورغم قوة الجندى والسلاح المدجج به لم يستطع الصمود فى وجه طفلة لا تملك سوى شجاعتها وجسارتها فى مواجهة عدوها المغتصب لأرضها وعرضها، ويقينها أنه ليس هناك ما تخسره بعد أن عاشت شعور الفقد، فاضطر إلى الانسحاب تاركاً الطفل. ذاع صيتها واشتهرت بشجاعتها وتحديها ومواجهتها لجنود الاحتلال، تمردت على سجانيها ووقفت شامخة لا تهاب بنادقهم المصوبة نحوها، تقبض براحتيها الصغيرتين على حجر هو كل سلاحها، حازت على جائزة حنظلة للشجاعة عام 2012 من قبَل بلدية «باشاك شهير» فى إسطنبول لشجاعتها فى تحدى جيش الاحتلال. وسط حملة دولية لإطلاق سراحها رفضت محكمة الاحتلال العسكرية إطلاق سراح «عهد»، ذات 17 عاماً، بكفالة مالية إلى حين محاكمتها، ومددت اعتقالها لأربعة أيام أخرى فهى تشكل خطراً داهماً على الأمن القومى الإسرائيلى! فيما اعتقلت والدتها بتهمة التحريض على هذا الاعتداء وأيضاً ابنة عمها نور التميمى، أثبتت «عهد» وعائلتها أن الإيمان بحقهم فى أرضهم لا يسقط بالتقادم مهما تغيرت معالمها وأحيطت بأسوار المستوطنات ستبقى الأرض ندية مجبولة بعرق أبنائها، وسيبقى الأمل حاضراً يانعاً تستمد منه القوة والاستمرار، شجاعة «عهد» كشفت ضآلة الاحتلال، وثباتها وإيمانها بقضيتها يزرع ألف زهرة وزهرة فى حقول ألغامه المسجية، لقد استشرف الزعيم الراحل ياسر عرفات ما يجرى حين قال جملته الشهيرة: «سيأتى يوم ليرفع فيه شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس ومساجد القدس وإن شاء الله تعالى يكتب بزوغ فجر جديد».