الروحانيات وعالم الجن والبحث عن ما وراء الطبيعة، هناك من يسعى وراء هذا العالم نظرا لولعهم بالسحر والماورائيات، هناك من لايؤمن بوجود هذا العالم، ومنهم من يؤمن به لأنهم يعشيون فيه، فأنصحك إن كنت تقرأ هذه القصة بألا تندمج معها حتى لا يلاحقك هذا الزائر.
أدعى "أحمد".. أعمل في مجال التدقيق اللغوي، وفي يوم ما وأنا أقرأ في بعض الكتب القديمة وقع تحت يدي كتاب عن السحر والجن والماورائيات، وبدأت أهتم بهذا الموضوع وخصوصا عندما جذبتني تلك النقوشات والطلاسم والكلام الغريب الذي حاولت أن أفسره، ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه، في هذه السطور سأروي ما حدث.
كعادة كل يوم قبل الذهاب إلى عملي الليلي "شفت جرينتش"، أقوم من النوم وعلى وجهي علامات الكسل والخمول أفكر جديا في ألا أذهب للعمل مرة أخرى، صور تتحرك أمامي ومواقف كلما أتذكرها وتبدو علامات الخوف على وجهي.
أرتدي ملابسي بعد عناء وفي طريقي أتذكر تلك الحركات التي تشبه خطوات تسير برتابة.. وأصوات همهمة تقترب في الطرقة.. دقات متتالية سريعة على الباب الزجاجي.. وفي هذه اللحظة أصل المحطة وأبدأ في رحلة ثانية، أسير في ذلك الشارع المظلم المؤدي إلى مكان العمل، أنظر حولي لا أجد أحدا غيري وظلي الذي يرافقني في هذه الظلمة الموحشة، أردد آية الكرسي وقصار السور كي لا أشعر بطول الطريق، وأخيرًا أقف أمام باب حديدي، وأدق الجرس وينفتح الباب وأدخل.
وسط أضواء خافتة وخطى ثقيلة مترددة أسير في طُرقة المكتب لأصل للغرفة الموجودة في آخرها، أجلس خلف شاشة الكمبيوتر لا يأخذ بحسي غير هذا المذيع أو المعلق الرياضي، في إعادة مباراة مهمة على هذه الشاشة المعلقة على الحائط.
إنها الثانية عشرة صباحا، أبدأ عملي في التدقيق اللغوي، وسرعان ما أنسجم فيه كي أقدم المطلوب على أكمل وجه، هدوء يسود المكان لا يسمع فيه إلا صوت النقر على لوحة المفاتيح، وفجأة تلتقط أذني ذلك الصوت الذي أكاد أسمعه يوميًّا، إذ بخطوات تقترب من المكتب، وفي هذه اللحظة يجد البرد سبيلا إلى أطرافي ويبدأ في تسلله لأشعر بلسعة جعلتني انتفض.
وبينما أنا جالس إذ بهمس بسيط في أذني أكاد أسمع بعض الحروف لأكمل جملة "لا تجلس بمفردك.. انتبه"، انتفض في مكاني، أنظر خلفي وأتلفت يمينا ويسارا، لا يوجد غير المكاتب.
طمأنت نفسي بأن كل شيء على ما يرام، وعدت إلى مكاني، أعمل على تصحيح موضوع، وقتها نظرت إلى الساعة لأجدها لم تتجاوز الثالثة صباحا، لم أكن أعرف لماذا طالت سهرة هذه الليلة، وإذ بالتيار الكهربائي ينقطع، ساعتها شاهدت تلك العينان اللامعتان الموجودتان في آخر الغرفة على المكتب الأخير فيها.
في البداية ظننتها قطة، أرادت أن تستأنس بي في ظلمة هذه الليلة العجيبة، أخرجت هاتفي من جيبي وأضأت كشاف الكاميرا ولم أتردد لحظة في أن أوجه الضوء إلى مكان العينين ليطمئن قلبي، وفجأة اختفت العينين وكأنهما "فص ملح وداب"، هل أنا أحلم؟ أم أنها مجرد تخيلات ساورتني بعدما سمعت صوت الهمس والأقدام.
بقيت كما أنا لم أتحرك من مكاني أحاول تفسير ما يحدث، وخصوصا أن هاتين العينين لم تظهر مرة أخرى، سرحت طويلا لمدة تخطت الساعتين، وظل ذهني في حالة ذهول، إن كانت قطة فلما لم تصدر صوتا عندما تحركت؟ ولماذا لم أسمع مواء لها؟ هل هذا طيف ظهر في وقته ثم أختفى؟ أم أنه "اللهم احفظنا" جني أو عفريت.
لم أفق من ذهولي سوى على أذان الفجر من المسجد القريب يشق سكون الليل، ولم تمر لحظات قليلة حتى عاد التيار مرة أخرى، فاستعذت بالله وجلست أتابع عملي وأرى ما فاتني في الدقائق الماضية، عاد كل شيء إلى ما كان عليه وفجأة سمعت هذا الصوت من جديد، لكن هذه المرة كان يتجه إلى الخارج.
أسرعت إلى الباب الزجاجي وأمسكت بالمقبض في تردد، جذبته برفق وخرجت إلى الطرقة المظلمة حتى وصلت إلى باب المكتب لكني لم أجد أي شيء حتى رجل الأمن لم يكن في مكانه، عدت إلى مكاني في هدوء أحاول أن أبعث في نفسي السكينة، لكن حدثت مفاجأة حالت دون ذلك.
حينما نظرت إلى شاشة الكمبيوتر الذي أعمل عليه، وجدت شيئا غريبا!! جعلتني أتساءل وارتعد خوفًا، إنها رسالة.. الرسالة نفسها التي سمعتها من صاحب الصوت المهموس، "كن حذرا".
وقتها توقفت حركة الساعة وتوقف كل شيء لدرجة أنني أحسست بأن الدم بدأ يتجمد في عروقي، ظننت وقتها أن قلبي سيقف من هول الصدمة.. أهذا مقلب من الشخص المكلف بتأمين المكان، أم أنه شبح في المكان.. وإن كان شبحا فلماذا أنا؟ لماذا ظهر لي دون غيري؟ ولماذا يحذرني؟ ومِن مَنْ يحذرني؟.. تساؤلات ظلت تراودني في الساعات الأخيرة من انتهاء الشيفت المرعب، ولم أكن أتخيل أنني سأتعرَض لهذا الموقف.
يتبع....