سبحان الله «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، وصدق من قال إن الله يأخذ الظالم فى الدنيا قبل أن يرى عذابه فى الآخرة، وهكذا ظلم عنان نفسه وتاريخه العسكرى ومؤسسة الوطنية ومصر نفسها.
لقد سجلت بدايات الفريق مشهداً سينمائياً لم يكن ليترقى فيه إلى رتبة الفريق وأركان حرب القوات المسلحة لولا الأخطاء الساذجة للشرطة التى شهدتها موجة إرهاب التسعينات، فى تلك الحقبة لمن لا يتذكر عاشت مصر الموجة الثانية والعاتية للإرهاب وأشد من الموجة الثالثة الحالية التى نشهدها وأعتى من الموجة الأولى التى اغتيل فيها الرئيس السادات.
وقد كانت الموجة الثانية للإرهاب شديدة الوطأة منتشرة فى كل ربوع مصر، دفع ثمنها 3 وزراء داخلية متعاقبون، هم شيخ العرب عبدالحليم موسى إلى كبير مركز أبوكبير الشرقية حسن الألفى.
وكان حسن الألفى وزيراً للداخلية حين تسللت مجموعة إرهابية للأقصر وارتكبت أكبر مجزرة ضد السياح الأجانب فى مصر والعالم بما يزيد على خمسين شخصاً، ونكلت بهم وقطعت أعضاءهم وبقرت بطونهم، ونشرت الصحافة العالمية صوراً مهولة لم يشهدها العالم منذ حرب المغول الذين اشتهروا بالقسوة والغلظة والتشويه والتمثيل لجثث قتلى الحروب فما بالك بهؤلاء الآمنين.
وكان سامى عنان مشرفاً على وحدة الدفاع الجوى بالأقصر وأمر بغلق كل منافذ الأقصر وحدودها لمنع هروب الإرهابيين وأدار حسنى مبارك تحقيقاً على الهواء مباشرة من كاميرات رئاسة الجمهورية والمخابرات وليس من كاميرات التليفزيون، وقال قولته الشهيرة للواء رضا عبدالعزيز، مساعد وزير الداخلية (حيث أمر حسنى مبارك بعدم وجود وزير الداخلية حسن الألفى) وقال لرضا عبدالعزيز... أمن... أمن إيه؟... هو ده الأمن اللى بتقولوا عليه؟
وصدر قراران فى وقت واحد، قرار إقالة حسن الألفى وقرار ترقية سامى عنان حتى وصل فريقاً ثم رئيساً لأركان حرب الجيش المصرى، ورغم صحة ما فعله سامى عنان فى رد فعل سريع إلا أنها كشفت بعداً فى هذه الشخصية، أنه عادة منفرد بقراره متعجل فيه، منفعل معه، ولم لا؟
فقد دارت الأيام لتنقل لنا الأخبار الحوار الذى دار بينه وبين القائد الأعلى للقوات المسلحة فى أحداث يناير حينما اجتمع الرئيس مبارك فى غرفة العمليات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الاجتماع الشهير الذى تلاه الاجتماع المنفرد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بدون القائد الأعلى ليعلن انحيازه للشعب فى مطالبه، ونقلت الأخبار والمصادر المعروفة لنا عن عنان ما يلى:
1- قوله لمبارك لازم تعمل حاجة سريعة احنا مش عايزين دم يسيل؟ فرد مبارك.. دم.. دم إيه؟ مين اللى بيسيل الدم، وكان هذا قولاً لا يليق من رئيس أركان إلى قائد أعلى، وتخطياً لا يجوز فى وجود قيادة كبيرة وقائدة هو المشير طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع.
2- تحريضه العلنى والسرى للمشير طنطاوى بالانقلاب على الرئيس مبارك بانقلاب عسكرى، ورفض المشير طنطاوى لهذا الطلب، لأن الرجل أراد أن يحافظ على تاريخه العسكرى نظيفاً وطاهراً فى أن يحمى مطالب الشعب، وأن يحافظ على النظام الجمهورى كما هو قسمه الذى أقسمه، وتناقلت عدة مصادر موثوقة لى أن طنطاوى أبلغ 3 أشخاص منهم صفوت الشريف والفريق الحلبى بأن الجيش لا يريد جمال مبارك رئيساً، وسوف يمنع ذلك، وهو موضوع سيكون محل مقال آخر.
3- ويبدو أن حوار عنان مع مبارك كان سبباً فى رفض مبارك اقتراح أوباما بعد خطابه الأخير للشعب بتشكيل مجلس رئاسى يضم عنان والبرادعى، وهى الرواية التى أكدها مبارك فى لقائه مع الإعلامى أحمد موسى، ويبدو أنه تأكد أن عنان له صلات بالجانب الأمريكى غير تلك المعلنة مع القوات المسلحة.
4- أن لقاء عنان مع نائب المخابرات المركزية الأمريكية على متن طائرة فى إحدى القواعد الجوية الأمريكية، الذى نقلته الصحف آنذاك عن حوار مضمونه الوضع فى مصر وخلاصته مدى سماح الجيش للإخوان بالحكم، وكان الحوار كما نقلته الصحف هو (عنان يسأل هل ستتدخلون لحماية مبارك إذا تحرك الجيش؟ ونائب المخابرات يرد بسؤال؟! وهل ستتدخلون لقمع المظاهرات التى تنظمها قيادات المعارضة؟)، وحسب الرواية التى نشرت لم يرد أحدهما على الآخر، واكتفى كلاهما بالإيماءة الصامتة.
5- أن الجلسات التى عقدها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع التيارات السياسية عقب أحداث يناير كانت تشهد بشهادة الشهود ميلاً ملحوظاً من جانب رئيس الأركان إلى تبنى وجهات نظر الإخوان وتمثيلهم فى الاجتماعات، خاصة محمد مرسى، بينما كان المشير طنطاوى حاسماً فى الرد عليهم وعلى مطالبهم بكل حسم وبصوت عالٍ أحياناً كما نقل لى بعض من حضر هذه الاجتماعات.
6- أن مشهد تسليم مرسى الرئاسة وحضوره الحفل الذى نظمه الجيش المصرى، وتعمد المشير طنطاوى عرض مهام الجيش وإنجازاته فى الحفاظ على الدولة على شاشات التليفزيون، وكان الرجل يبرئ تاريخه من التهاون فى مصر الوطن أو التنازل عنه لتيار سياسى بعينه يعلم هو قبل غيره أنهم تيار خائن للوطن، وقد شهد هذا الحفل علامات سعادة بالغة على عنان وعلامات حزن باينة على المشير.
7- أن روايات التدخل فى انتخابات مرسى ومحاولة إنجاحه ضد أحمد شفيق، وعوامل الضغط على بعض أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات واكبت أنباء التدخل الأمريكى واستعراضه مناورات الأسطول السادس الأمريكى بحرياً، حمل بعضها روايات دور غامض لرئاسة الأركان فى المقايضة بين انسحاب خيرت الشاطر مقابل انسحاب عمر سليمان وتغاض واضح عن وقائع ثابتة لتزوير الانتخابات لصالح مرسى، وقد بدا واضحاً أن عنان هو الأقرب فى قنوات الاتصال بين القوات المسلحة والإخوان.
8- أن لهفته وفرحته وذهابه مبكراً لمقر رئاسة الجمهورية لتسلم مكتبه الجديد كمستشار لمرسى حملت علامات تعجب لمن نقل الرواية عنه مؤكداً الواقعة...(وقال.. عنان.. أين مكتبى وما هو راتبى؟!) ومن المعروف أن المشير طنطاوى لم يدخل قصر الرئاسة منذ أقاله مرسى بعد الحادث المدبر الذى دبره الإخوان مع حماس بقتل جنودنا كذريعة لإقالة المشير، ويشكل هذا الحادث علامة استفهام كبرى عن المخرج الذى أراد الإخوان به إزاحة طنطاوى، ولعلهم كانوا يفكرون فى سامى عنان بديلاً إلا أن إرادة الله أرادت أن تعمى أبصارهم وخوفهم من تذمر باقى أعضاء المجلس الأعلى الذين لا يخفى بعضهم تذمره ورفضه لطريقة إدارة رئيس الأركان للأمور داخل المؤسسة العسكرية.
9- أن الاجتماع الذى عقده مرسى بعد الإقالة مع اللواء محمود نصر المسئول المالى للقوات المسلحة قائلاً له مرسى.. فين فلوس الجيش يا نصر... حمل تساؤلات عمن أبلغ مرسى بأسرار أموال الجيش ونقل لى هذه التساؤلات زملاء أعزاء 3 منهم كانوا يعملون فى هذا القطاع المالى ويعرفون أن أسراره فقط لدى القائد العام والقائد الأعلى فلا يمكن أن يكون القائد العام الذى أبلغه؟!! وعليه.. فإن واقعة ترشح عنان لا تخرج عن السياق العام لمسيرته فى حياته العسكرية التى سطرت عدة صفحات من عادة الخروج عن التقاليد العسكرية، ومغامرة البحث عن فرصة الترقى، وتهور الطرح بالانقلاب العسكرى، وسهولة الرضا بمن يخون الوطن أو حافز الخيانة مالياً أو إدارياً، وهو ما أدى بالرجل لتزوير أوراقه بهذا الأسلوب الرخيص، وختاماً: إن التعامل العسكرى مع عنان حق للجيش المصرى والمؤسسة العسكرية فى التعامل مع أحد أفرادها طبقاً للوائح والأنظمة، أما التعامل السياسى مع عنان فلا بد أن يظهر أمام العالم بشكل مكثف فى وسائل الإعلام، إن قضية عنان لها شقان، شق عسكرى يخص مستندات القوات المسلحة لا دخل للهيئة الوطنية للانتخابات فيه، أو باقى مؤسسات الدولة، وشق سياسى إدارى، أن الهيئة كانت مستعدة لقبول أوراقه وإتاحة الفرصة له للترشح لولا اكتشاف وقائع تزوير فى محررات رسمية، مكنت المذكور من إدراج اسمه بكشوف الناخبين، ما استوجب شطب اسمه من هذه الكشوف، وهو ما يوجب عدم استكمال أوراق ترشحه قانوناً، وأتمنى لو ظهرت هذه الهيئة بهذا البيان فى كل وسائل الإعلام الدولية، وتقوم الهيئة العامة للاستعلامات بالترويج له، حتى لا نعطى الفرصة لبعض العملاء الذين بدأوا يسطرون له عناوين الصحافة العالمية، بأن حبسه تم لمنعه من الترشح؟!! وهو قول فضلاً عن عدم صحته، فإن نجاح السيسى أمام عنان أو شفيق أو أى مرشح آخر كان محسوماً ولو بعدد أقل من المرة السابقة، ولم يكن فى حاجة لمنع هذا أو ذاك من الترشح.
حمى الله مصر وجيشها.