أتذكر وقت كتابة الدستور المصرى الأخير من خلال لجنة الخمسين بعد زوال كابوس الإخوان عام 2013، أن بادرت بالاتصال بأحد قامات اللجنة وكان من المعارضين لطرح وجهة نظر متواضعة من جانبى فى إحدى المواد. ورغم تشاركنا النقاش فى الكثير من المرات قبل بدء عمل اللجنة، إلا أنه أخبرنى بأدب لا يخلو من حسم أنهم قد انتهوا من تلك المادة، وأنهم لن يستطيعوا الاستماع لجميع وجهات النظر. احترمت كلماته ولم أغضب، لأننى أوافقه الرأى فى أن الحياة ملأى بأطياف التفكير والرؤى، وأن البشر لم يتفقوا حتى على الخالق فما بالك بدستور؟ وأنهيت المكالمة بكل محبة رغم تعارض رؤيتى مع رؤية محدّثى دون أن يثنينى هذا عن تأييد الدستور فى الاستفتاء.
تذكرت تلك الواقعة وأنا أتابع بيانات حمدين صباحى ومن معه من أحزاب لم أسمع بأغلبها وأسماء أعرف القلة منها، فيما عُرف بحملة «خليك بالبيت» فى إشارة لطلب تلك المجموعة من المصريين مقاطعة الانتخابات الرئاسية! ما هذا الهُراء يا سادة؟ وبغض النظر عن أن تلك العبارة هى أغنية شهيرة لجارة القمر «فيروز» كما كانت اسماً لبرنامج للمذيع اللبنانى زاهى وهبة، إلا أننى تساءلت عن أى بيت ذلك الذى تدعو مجموعة حمدين الناس للبقاء فيه بينما بلادهم تخوض معركة وجود فى بناء وبقاء منذ سنوات؟ أى بيت ذلك الذى يطالبوننا بالجلوس فيه بينما أولادنا على الحدود شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً يواجهون عدواً مموّلاً من مخابرات عربية وإقليمية وغربية ويدفعون فى سبيل ذلك أرواحهم؟ أى بيت ذلك الذى يطالبوننا بالمكوث فيه بينما رئيس بلادى يجوب أرض الله داخل الحدود وخارجها لتحيا مصر ونحيا معها؟
أدرك معنى الاختلاف مع رئيس الدولة، فهو بشر، ولم تتفق البشرية على شىء منذ الخلق، ولكننى لا أفهم ولا أعرف معنى للمقاطعة المتقاطعة المؤيدة لبيان الخمسة الذى تصدره أبوالفتوح وهشام جنينة ومحمد أنور السادات وعصام حجى وحازم حسنى - معرفين أنفسهم بين مرشح محتمل ومرشح سابق- وبيان خالد على المنسحب من الانتخابات مبرراً ذلك تارةً بمنع الدولة مؤيديه من إصدار التوكيلات وتارةً أخرى بقيام الدولة بعمل التوكيلات لتمكينه من خوض الانتخابات؟!
نعم توقفت كثيراً أمام تلك المعارضة التى لا نراها إلا فى مواسم الانتخابات وعلى شاشات الفضائيات وتغريدات مواقع التواصل الاجتماعى! وإذا كانت كلمات رئيس الدولة قد اتهمتهم بعدم معرفة معنى الدولة وهو على حق، فإن فعلهم وبياناتهم تؤكد لى أنهم لا يعرفون معنى كلمة معارضة. فما أفهمه من التاريخ أن غاندى ناضل من أجل استقلال بلاده من 1915 إلى 1948، وكذلك فعل مانديلا حين منح بلاده المساواة وترأس نظامها فى العام 1994.
ولذا فنصيحتى لمعارضة «فيها لأخفيها» هى ذات دعوتهم.. خليكم بالبيت!