نتناول فى الجزء الثانى من المقال أولويات التعليم الجيد والحديث، فلا يكفى أن نتحدث عن التعليم فقط من زاوية بناء المدارس والجامعات، ولكن من زاوية ثلاثية «المبنى، المنهج، المعلم».
وعليه، فإن برنامج «المبنى التعليمى» لا يشغلنى، فيستطيع الرئيس أن يأمر الهيئة الهندسية فوراً ببناء 5000 مدرسة سنوياً على مستوى الجمهورية، وهو بالنسبة لهذه الهيئة العملاقة شىء يسير، لكن مشكلتى ومشكلة كل الخبراء فى «مكوّن المنهج»، ومكوّن المعلم، فبرنامج المنهج التعليمى يجب أن يعاد النظر فيه كاملاً، وأن يساير أحدث أساليب التعليم من حيث آخر ما توصل إليه خبراء التربية، وليس من حيث توقفنا عنده فى مصر، وبالنسبة لبرنامج المعلم، كانت تجربة د.حسين كامل بهاء الدين فى بعثة المدرسين للخارج تجربة هامة، ومن السهل جداً أن تجد هيئات دولية، إذا اعتمدنا على اليونيسكو فى صياغة المناهج، تقدم دعماً لنا فى تكلفة بعثات التعليم، وسوف يكون الأمر أيسر من تمويل هذا من ميزانية مثقلة بأعباء أسعار الغذاء والوقود والمرتبات، وهذه هى مشكلة أولويات الإنفاق فى الدول النامية، وأعتقد أن الرئيس السيسى أبدى اهتمامه بالتجربة الهندية فى العلم والأبحاث، فقد كنا نقابل باحثين وأساتذة هنوداً يرتدون ثياباً فقيرة، ويجلسون فى أماكن فقيرة، لكن الكمبيوتر رخيص الثمن يصله بالعلم فى العالم كله، وحرص الحكومة الهندية على تشجيع سفر الباحثين للجامعات فى الخارج لا بد أن تحذو حذوه وزارة التعليم العالى المصرية، وقد انفردت الهند بأنها تطبع من الإصدارات العلمية والأدبية غالية الثمن ما يطلق عليه الطبعة الرخيصة «low price edition»، وكانت هذه الخطوة لها فعل سحر فى نشر العلم خارج جنبات المدارس والجامعات إلى جلسة تعليم تحت الشجرة، فعلاً إن المسألة ليس المبنى ولا بدلة المعلم ولا لمعان غلاف الكتاب، بل الفكرة فى العلم ذاته ومدى توافر مادته سهلة بسيطة، ومدى كفاءة مدرسه بطريقة سهلة وبسيطة، ومدى إتاحة الانفتاح على العالم ببعثات لأكبر عدد من الأساتذة والطلاب، فتصبح مصر منافسة لدول نهضت وعبرت وليس هذا بدعة فى مصر، فقد فعلها محمد على فى بناء مصر الحديثة، وكانت هذه البعثات المصرية للخارج والخبراء الأجانب الذين استقدمهم للداخل سر النهضة السريعة التى حققها فى الزراعة والصناعة والفن والأدب، وأعتقد أن «السيسى» إذا اقتنع بهذا الموضوع، فسيفعل أكثر مما فعل محمد على، ويضع مصر فى مكانها الصحيح.
وختاماً: فإننى يجب أن أشيد بالفكرة العبقرية لبنك المعرفة، الذى وفر مجاناً للباحثين المصريين كل مناهل العلم، وأعتقد أن سلسلة مكتبات الأسرة والمكتبات العامة وقصور الثقافة لا بد أن يعاد تطويرها وملؤها بكل السيديهات والملفات الإلكترونية، التى تضم إلى جوارها موسوعات وأمهات الكتب متاحة أمام أبنائنا بالطبعات الرخيصة، التى تطبع بإذن من الناشر الدولى المختص، وإلى لقاء قريب مع مطالب شعب من الرئاسة الثانية للرئيس السيسى.