لماذا تصر الدولة على تربية «الثعابين» فى أحضانها ومنحهم «شرعية الوجود» السياسى والإعلامى، ثم تستيقظ فجأة لتجد نفسها تتعرض لضربات موجعة منها «محاولة قلب نظام الحكم من خلال التحريض ضد الدولة، ونشر أخبار كاذبة من خلال وسائل إعلام معادية للدولة».. وهى التهم التى وجهتها نيابة أمن الدولة إلى القيادى الإخوانى «عبدالمنعم أبوالفتوح»، رئيس حزب «مصر القوية»؟!
لقد تعامت الدولة عن عدم دستورية الأحزاب الدينية، رغم ما يستتبع ذلك من الطعن فى دستورية القوانين التى شارك أعضاؤها فى إصدارها عن «مجلس النواب»، وجمّدت حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر فى سبتمبر 2015، الذى يقضى بإلزام لجنة شئون الأحزاب بمراجعة موقف 11 حزباً دينياً بالمخالفة للدستور.. وتسامحت الدولة مع التاريخ الإرهابى لهم.
وبعد أن اجتمعت «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» لتضع «طارق الزمر» ضمن قوائم الإرهاب، أفاقت الدولة متأخراً -كالعادة- فى يونيو الماضى، وتحركت لجنة شئون الأحزاب التى احتضنت هذه الأحزاب.. وبدأت بـ«الشك» فى مخالفة هذه الأحزاب لشروط تأسيسها، وأحالت أوراق 6 أحزاب دينية للنائب العام لإعداد تقرير بشأنها حول ما إذا كانت هذه الأحزاب مخالفة أو تورط أعضاؤها فى أنشطة إرهابية أم لا.. وحتى الآن لم يتغير شىء اللهم إلا قرار دائرة شئون الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا بتأجيل الطلب المقدم إليها من لجنة شئون الأحزاب لحل حزب «البناء والتنمية» وتصفية أمواله وتحديد الجهة التى يؤول إليها، للاطلاع وتقديم المستندات!!.
هى نفسها الدولة التى ابتلعت فى صمت «أكذوبة» عزل «أبوالفتوح» من جماعة الإخوان الإرهابية، فى يونيو من عام 2011، رغم تخطيطه -آنذاك- للوصول إلى مقعد الحكم فى البلاد.. وهو الحلم الذى استبدله «أبوالفتوح» بالسعى جاهداً للقفز على مقعد مكتب الإرشاد بالجماعة، بكل ما يعنيه ذلك من سطوة ونفوذ إقليمى ومحلى!
الغريب والمذهل أن «أبوالفتوح» لم يكن يعمل «تحت الأرض»، بل كان يحرّض ضد الدولة عبر قنوات فضائية معادية لمصر مثل «الجزيرة»، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعى، وأصبح هو «الذراع السياسية» للإخوان، و«حصان طروادة» الذى تتحرك الجماعة بداخله، وهو لا يُخفى انتماءه الفكرى (حتى لو أنكر الارتباط التنظيمى بالجماعة) منذ أن أعلن حزبه عن إدانة العمليات الأمنية التى استهدفت فضّ اعتصامَى رابعة والنهضة فى أغسطس من عام 2014، ثم بدأ بعد ذلك فى الترويج للشائعات فى الأوساط الطلابية والشبابية حول ما يطلق عليه «الاختفاء القسرى»، وعشرات آلاف من المعتقلين فى السجون المصرية، وهى الأكاذيب التى دحضها العديد من المنظمات الموثوقة المعنية بحقوق الإنسان!.
فهل الدولة التى تضع الدكتور «يونس مخيون» فى صدارة المشهد السياسى لا تعلم أن الأحزاب الدينية تحاصر «الدولة المدنية»، وتدهس النساء والأقباط، وتنشر أفكار التكفير الجهادى والإرهاب والفتنة الطائفية؟!
أم أنها قانعة بتأييد تلك الأحزاب «غير الدستورية» على سبيل «التقية السياسية» للرئيس «عبدالفتاح السيسى» وحكومته وسياساته، أم تتوهم الدولة أنها قادرة على اختراق ترسانة «العمل السرى» لتلك الأحزاب «أمنياً»، أو الاستفادة منها معلوماتياً (خاصة بعلاقة الأحزاب السلفية بالكيانات الإرهابية فى سيناء)؟.. أنا لا أملك حلاً لهذا اللغز الذى يضع الدولة فى خانة الاتهام بالتفريط فى حق الشعب الذى ثار على الفاشية الدينية، والتقاعس عن حماية الأمن القومى للبلاد، وتقنين وجود الكيانات الإرهابية بالاحتواء والهدهدة السياسية.. فهل آن أوان تفعيل الدستور والقانون، وحل «الأحزاب الدينية» وتنقية مؤسسات الدولة (وأولها الأزهر) من الإخوان.. أم ستظل الدولة تمنحهم «الشرعية السياسية» والمقرات والحصول على «التمويل».. وتظل تدعم الاحتلال السلفى لمصر حتى تنجح مخططاتهم فى إسقاط النظام؟!.