أواخر الخمسينات وبداية الستينات اشتمل كتاب «المطالعة الرشيدة» المخصص لتلاميذ السنة الأولى الابتدائية على مجموعة من الحكايات اللطيفة والطريفة، كان أبطالها الطفل أحمد والكلب فلفل والأرنب شرشر، «شرشر» كان الأكثر شهرة بين الأبطال الثلاثة، وهو الاسم الذى علق بذهن من درس أو درّس خلال هذه الفترة، أحياناً ما تحمل الأسماء قوة تأثيرية خاصة، وعندما ترتبط بأحداث ومواقف مثيرة وقادرة على إشعال الخيال فإن تأثيرها يزيد، واسم «شرشر»، اسم سهل، ينطوى على جرس صوتى عالى الجودة، فهو مكون من مقطعين «شر».. «شر»، ويحمل دلالة على آفة «الشر المزدوج» التى يمكن أن يتصف أو يمتاز بها كائن حى، وكذلك كان أداء الأرنب «شرشر»، فما أكثر ما كان يثير مشاكل بسبب سلوكياته الشريرة، ولعل أشهرها القفز فى حديقة البط، دون «إحم ولا دستور»، الأمر الذى كان يثير الخوف فى الحظيرة، وينشر الذعر بين «البط» الطيب.
كان مؤلفو كتب القراءة فى ذلك الزمن مهتمين للغاية بفكرة الجرس الصوتى حتى تعلق الكلمات والجمل بذهن المتعلم، وبالتالى لم تتحقق هذه الميزة أو السمة فى أسماء أبطال «المطالعة الرشيدة» كما هو الحال فى اسم «شرشر» وفقط، بل تجاوزته إلى العبارات التى تم نحتها بدرجة عالية من الحرفية حتى يسهل على اللسان ترديدها وعلى العقل حفظها، مثل عبارة «شرشر نط.. فخاف البط»، بما تحمله من سجع يطرب له السامع، «كتاب القراءة» فى ذلك الحين كان يعكس حالة ظرفية عاشها المجتمع المصرى الذى كان يواجه أكثر من «شرشر» يريد أن ينط فى دوائر سعيه نحو التحرر من الاستعمار والبناء والتنمية، الكثير من العبارات التى تم تداولها فى الحياة العامة كانت تستلهم هذه الخاصية التى امتازت بها عبارة «شرشر نط فخاف البط»، فانطوت على جرس موسيقى يسهّل على المستمع حفظها، وبرز فى هذا السياق عبارات من نوع: «الحرية.. كل الحرية للشعب.. ولا حرية لأعداء الشعب»، و«الاتحاد والنظام والعمل»، و«وارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الذل» وغيرها.
كان ثمة تناغم ملحوظ خلال هذه الفترة بين ما تحمله كتب «المطالعة الرشيدة» والظرف العام الذى تحيا فيه مصر، وكان مفتاح الولوج إلى عقل الطفل لإعداده للمستقبل هو تلك الجملة الأخاذة «شرشر نط فخاف البط»، ويكفى للتدليل على تأثير هذه الجملة من استدعاء الهتاف الشهير الذى كان يردده أطفال المدارس فى ذلك الحين «هنحارب.. هنحارب.. إسرائيل أرانب»، فمؤكد أن الطفل العبقرى الذى سك هذا الهتاف قفز فى خلفية تفكيره الأرنب «شرشر»، ولذلك وصف إسرائيل بـ«الأرانب»، على أساس أن الأرانب هى مصدر الشر.
فى ذلك الحين كان البعض ينزعج من إلصاق تهمة الشر بالأرنب، رغم أنه كائن طيب وأليف، لكنه لم يكن يمتلك الاعتراض، لأن وزارة التربية والتعليم فى ذلك الوقت تريد الأرنب «شريراً»، وإمعاناً فى تحدى هؤلاء المنزعجين، اشتملت كتب القراءة المطورة على درس كان عنوانه «الأرنب الغضبان» حتى تثبت الوزارة بشكل عملى أن «الأرنب» مش طيب ولا حاجة، بل كائن نمرود يهوى التمرد على وجبة الخس والجزر التى سئم من تقديمها له كل يوم، وهكذا تكامل دور الأرنب الغضبان مع الأرنب شرشر فى تعليم التلاميذ وإضحاكهم أيضاً.. وشر البلية ما يضحك!.