تجلى منبر المشير طنطاوى فى أروع صوره يوم الجمعة الماضى 9 مارس 2018م ساعة أن وقف عليه الدكتور أسامة الأزهرى، المستشار الدينى لرئيس الجمهورية، يتحدث عن يوم الشهيد، ثم دعا المصريين والمصلين -وفيهم رئيس الجمهورية والفريق وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الأوقاف، وغيرهم- للبحث والتنقيب عن رجل ضرب نموذجاً رائعاً فى حب وحماية الوطن اسمه «الشيخ سالم الهرش».
فمن هو الرجل القامة الذى من أجله نهض مسجد المشير ليدعو المصريين للتنقيب عنه، والبحث عن مواقفه المشرّفة فى صورة تدل على التلاحم والتعانق والتعالق بين هذا النوع من الخطاب الدينى والمجتمع المصرى واقعه ووطنه، بعيداً عن الخطب التقليدية منقطعة الصلة بالواقع والمجتمع والوطن؟!
وقبل التعرف على تاريخه أؤكد أن خطابنا الدينى سيظل منقطع الصلة بالواقع وقضايا الوطن ما لم يقدم للمصريين هذه النماذج.. نماذج سالم الهرش، وأحمد زويل، ومصطفى مشرفة، ورفاعة الطهطاوى، وحسن العطار، وعبدالمنعم رياض، ونجوى الحجار.. وغيرهم، من القامات الكبرى من رموز التضحية والفداء والعلم والفكر.
وعند التنقيب عن «سالم الهرش» نجد أننا أمام رجل عظيم من نجباء سيناء، رجلٍ يمثل نسقاً متكاملاً من الإنسان البطل، رجلٍ امتلأ بالروح المفعمة بالعطاء، وضحى لتقف مصر ناهضة، وضرب أروع الأمثلة فى التفانى والوطنية، وكان ذا حب عميق لوطنه، فهو بحق نموذج يُحتذى، لجهاده من أجل مصر وجيشها وأرضها الطاهرة.
تقول المعلومات إن الشيخ سالم الهرش ولد عام 1910 وتوفى عام 1981، وهو شيخ مشايخ قبائل سيناء، وزعيم قبيلة البياضة بمركز بئر العبد بسيناء، وأحد الأبطال المصريين إبّان حرب السويس 1956 وحرب يونيو 1967 والاستنزاف.
ومن مواقفه البطولية ما حدث بعد نكسة 1967، فبعد أن دخل اليهود سيناء بدأوا فى جمع القبائل فى مخيمات، واستخرجوا لهم بطاقات هوية إسرائيلية، وأثناء جلوس الشيخ سالم فى خيمته دخل عليه بعض الضباط المصريين وسألوه عن نصيحته فى كيفية دخولهم للمجتمع القبلى، ليكونوا بذلك قريبين من المعسكرات الإسرائيلية، فما كان منه إلا أن قام بتدريبهم على اللهجة السيناوية، وألبسهم الزى البدوى، وبالفعل أتم زرعهم فى المكان.
أيضاً فى عام 1968 كانت القوات الإسرائيلية تعد إلى مؤتمر الحسنة، لتمارس الترغيب والتدليل للشعب السيناوى، لتجعل لسان حاله يقول إن إسرائيل أكثر قرباً ومودة لهم من مصر، وقد أقنعهم الشيخ سالم بأن إسرائيل فى قلب كل سيناوى، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة فى مؤتمر الحسنة، وحضر «موشى ديان»، ومعه أشهر مخرج إيطالى، لكى يكون الخطاب مذاعاً للعالم كله، وحضرت مجموعة من «الأمم المتحدة»، وبدأت فعاليات المؤتمر الذى تحدث فيه اليهود عما قدموه لأهل سيناء. وعندما جاءت الكلمة للشيخ سالم نهض قائلاً: «أنتم تريدون سيناء دولية، يعنى أنا الآن لو أعلنت سيناء كدولة ستضعون صورتى على الجنيه السيناوى؟»، فأجاب «ديان» بابتسامة كلها تهليل وكأنه يقول: نعم، وإذا بالشيخ سالم يقول: «أؤكد لكم أن سيناء مصرية، وستظل مصرية 100%، ولا يملك الحديث عنها إلا السيد الزعيم جمال عبدالناصر»، فكانت الصاعقة التى نزلت على الوجوه الصهيونية، وما كان من «موشى ديان» إلا أن أطاح بالمنصة، وكان الإعدام فى انتظار الشيخ سالم، لولا أن المخابرات المصرية أنقذته، واستقبله الرئيس عبدالناصر، وأهداه نوط الامتياز، وقدم له مجموعة من الهدايا، لكنه تبرع بها للقوات المسلحة عدا العباءة التى اعتبرها رمزاً وتذكاراً.. هذا وقد قام تناول مسلسل «الصفعة» الذى عُرض فى رمضان 2012م، مشهداً لمؤتمر الحسنة المشهور.