ما حدث خلال الأيام الماضية من ردود فعل حول ما قام به موقع «روسيا اليوم» عندما نشر استطلاعاً للرأى حول تبعية مثلث حلايب وشلاتين لمصر أم للسودان.. يستدعى التوقف والتحليل لبيان ما حدث بشكل منظم وحقيقى.
ملاحظات سريعة:
- موقع «روسيا اليوم» الذى نشر استطلاع الرأى هو موقع قناة فضائية رسمية تتبع الحكومة الروسية، وهو من المواقع الإخبارية المهمة، التى تتم متابعتها بشكل جيد.
- حدث تحرّك سريع قامت به الهيئة العامة للاستعلامات بإدانتها الفورية لطرح مثل تلك الأسئلة التى تُسبّب حرجاً دولياً، حيث إنها قضية شائكة وحساسة، ثم تحرّكت الدبلوماسية المصرية بالتعاون مع مثيلتها الروسية للتعامل الرشيد والسريع للحفاظ على العلاقات بين البلدين، ومحاولة معالجة المشكلة بشكل مهنى إعلامى.
- ألغى سامح شكرى، وزير الخارجية، حواراً لموقع «روسيا اليوم» كان مقرراً بسبب انعقاد اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع بين مصر وروسيا حينذاك، ثم قام موقع «روسيا اليوم» بحذف استطلاع الرأى الملتبس حول تبعية مثلث حلايب لمصر أو للسودان بشكل سريع بعد موجة الغضب المصرية.
- تم التعامل مع مشكلة الاستطلاع، باعتباره مشكلة مهنية، ولم يتم تصعيد الأمر إعلامياً، باعتباره أزمة بين الدولة المصرية والدولة الروسية من جانب، وقبلها كأزمة بين مصر والسودان من جانب آخر، وهو ما يعود إلى التقارب والصلة الضخمة بين مصر وروسيا حسبما يشعر به المواطن المصرى، مثلما يشعر أيضاً فى العلاقة بين مصر والسودان.
- لا يمكن التعامل مع مثل تلك الاستطلاعات باعتبارها «جرّ شكل» من أجل موافقة مصر على السياسة الروسية التى يتم تنفيذها فى منطقة الشرق الأوسط حسبما يقول البعض، أو مناقشة شأن داخلى خاص.. لما تحمله هذه التبريرات من تبسيط مخل للتفاعلات السياسية بين الدول. كما أنه لا علاقة لها بحرية الرأى والتعبير.
- فى تقديرى، ما حدث هو مجرد خطأ فردى مهنى، لا يعبّر عن توجّهات السياسة الخارجية الروسية أو عن الإعلام الروسى، وهو خطأ يحتمل أكثر من تفسير، بداية من تعاطف كاتب الاستطلاع مع اتجاهات سياسية محدّدة، ومروراً بعدم وعيه بخطورة مثل تلك الأسئلة، وصولاً إلى وجود سوء نية فى نشر الاستطلاع بهذا الشكل، من أجل خلق أزمة سياسية وشعبية بين البلدين.
- أرسل العديد من المثقفين والمفكرين والإعلاميين رسائل إلى بعضهم البعض لتأكيد أهمية التصويت على الاستطلاع، لأنه موقع يسهم فى تشكيل القرار الرسمى الروسى، ولا أعرف كيف يمكن أن تقتنع النخبة المثقفة بأن مثل هذه الاستطلاعات يمكن أن تصنع شكل العلاقات الدولية التى تخضع لمعايير أكثر تعقيداً من سطحية التفاعل الإعلامى مع استطلاعات افتراضية.
نقطة ومن أول السطر..
لا نحتاج إلى من يتآمر علينا، فمخاوفنا وهواجسنا تكفى للقضاء علينا.. فنحن من نصنع «العفريت»، ولم نستعد أو نُفكر فى كيفية التعامل معه بعد ذلك.