"زيزينيا"، حين تقرأ الأسم السابق عنوان الرواية تشعر أنك بصدد القراءة عن تجربة إنسانية تعرض جزء هام من تاريخ مدينة الإسكندرية من خلال أحد أعرق أحيائها؛ زيزينيا.
لكن جاءت أحداث رواية «زيزينيا»، الصادرة عن دار العين للنشر عام 2018، للكاتب «محمود عبدالوهاب»، أبعد ما يكون عن التوقع السابق.
تدور أحداث الرواية حول «حمادة»، شاب ينتمى إلى أسرة من الطبقة المتوسطة التى انحدرت من إحدى الأسر الارستقراطية قديما، عاش حياته فى مدينة الإسكندرية ما بين حي زيزينيا حيث تسكن الخالة «فاطمة»، وزوجها «على»، وبين حي السراي التابع لمحطة الرمل حيث يعيش والده ووالدته وأخويه.
استمرت حياة البطل في الإسكندرية حتي عمل في مجال السياحة فانتقل إلى مدينة القاهرة لتتحول الحياة في الإسكندرية إلى مجموعة من الذكريات عن الطفولة والشباب، وزيارات متقطعة لأفراد أسرته وبعد فراق عديد منهم للحياة أصبحت زيارته للمدينة من أجل الوقوف على أطلال فيلا زيزينيا التى تم إزالتها وبناء فيلا جديدة لأسرة أخرى.
يقف البطل طويلا أمامها يتذكر الأيام التي عايشها في هذا المكان ومن هذا المشهد تبدأ أحداث الرواية، التي كان من أهم أهدافها بل هدفها الوحيد؛ إثبات حقيقة أن بعض منا تتوقف حياته أمام الذكريات التي عاشها وحين يفقد من شاركوه تلك الذكريات يعيش بلا روح لا يذكر ولا يفكر في شيء سواهم.
هكذا يمكن ببساطة شديدة ومؤسفة أيضا الحديث عن محتوى الرواية؛ فالكاتب لم يروي عن حياة البطل سوى تفاصيل ضئيلة جدا، فلا نعلم عن سماته الشخصية من بداية الرواية وحتى نهايتها سوى اسمه وأنه تخرج في كلية التجارة وعمل فى مجال السياحة أما عن باقي تفاصيل حياته فلم يروي منها شيئا حتى ملامحه الشكلية لم يهتم الكاتب بوصفها، كذلك الأمر بالنسبة لباقى الأبطال ممن تحدث عنهم وارتبط بذكرياتهم، فقد اكتفى بذكر أسمائهم، الأمر الذى يؤثر على خيال القارئ فلا يستطيع تخيل الشخصيات والتعايش معها وبالتالى لا يندمج مع الأحداث.
فمهمة القارئ أن يستنبط الهدف من أحداث الرواية والإسقاطات التى يريدها الكاتب ولكن كيف يستطيع أن يفهم الهدف من وراء الأحداث دون أن يوضح له الكاتب الملامح الأساسية للأبطال والخطوط العريضة للحكاية والحدث؟!
من أهم النقاط التى استوقفتني عند القراءة هى السرد، فقد تخلل السرد أجزاء وضعها الكاتب بين الأقواس موضحا فى الهوامش أسفل الصفحة أنها "أحلام الفترة الانتقالية"، وقد ظل هذا الجزء الذى تكرر من أول صفحات الرواية إلى آخرها موضع تساؤل فلم يوضح الكاتب ماذا يقصد بتلك الفترة الانتقالية، ما معناها وماذا أدى بالكاتب إليها؟! وبمزيد من البحث على المواقع الإليكترونية حول أحداث الرواية أو تصريحات للكاتب عن الرواية لم أجد إجابة على هذه الأسئلة.
سبق وأن أشرت فى بداية المقال إلى أن الكاتب يتحدث عن حي زيزينيا بصفة خاصة وجعل اسم هذا الحي العريق عنوان للرواية وهو محور الأحداث، فقد ذكر الكاتب نبذة تاريخية عن هذا الحي من خلال موقع «ويكيبيديا»، وفقا لتوضيح الكاتب في هوامش الرواية، ولكنها نبذة خالية من التعايش الذى يعد من أهم أهداف العمل الروائى وهو ما يميز فن الرواية عن الكتب المقالية أو التاريخية، بالإضافة إلى أن الموقع السابق ذكره غير كافي للبحث من أجل التوثيق؛ لأنه في كثير من الأحيان يفتقد للمصادر التي تؤكد دقة محتواه من المعلومات.
حدثنا الكاتب أيضا من خلال الأحداث أن البطل عايش فترة وفاة الزعيم جمال عبدالناصر ثم فترة حرب أكتوبر عام 1973، وبالرغم من ذلك لم يتحدث عن الأحداث الهامة التى عايشها جيله فى تلك الفترة وكذلك الأمر بالنسبة لباقى الأبطال من يكبرونه سنا ويحدثنا عن ذكرياته معهم، فالأمر الواضح أنهم عايشوا فترات تاريخية هامة لكن الكاتب لم يتحدث عنها، كل ما هناك ذكريات عن الحياة والمأكل والملبس والزواج والموت.
يعيدنا الجزء السابق للتساؤل مرة أخرى أين الأحداث التي عايشها الأبطال والتى حتما أثرت على شخصياتهم؟! أعلم علم اليقين أن فن الرواية غير معني بالتوثيق للأحداث التاريخية ولكن التجربة الإنسانية هى التاريخ الحقيقي حين يعايش الإنسان الحدث الاجتماعى والسياسى ونرصد ونروى آثار تلك الأحداث على حياته ومن ثم يمكن من خلالها التوثيق لحياة جيل بأكمله.
بنهاية أحداث الرواية يشعر القارئ أن رواية «زيزينيا» ما هى إلا مجموعة من الخواطر الشخصية غير المرتبة، ومضات تلاحق الذاكرة وتضيء للحظات يخشى عليها الكاتب من النسيان فأراد توثيقها في رواية، وقد يكون ذلك سبب كافي لكتابة عمل روائي ولكن كنت أود من الكاتب أن يحذر وهو يطلق على صفحات روايته أسم هذا الحي العريق؛ فتلك الأسماء تعد رموز لجغرافيا المكان وتاريخ أهم الأحداث التي عايشها هذا الوطن.
في النهاية أود أن أؤكد على الحرية الكاملة للكاتب فيما يروى ويكتب وللقارئ أيضا الحرية في الحكم على ما يقرأ، ولكن يجب على الكاتب توضيح الخطوط العريضة لما يكتب لكي يستطيع القارئ إدراك وتفهم حرية الكاتب وهدفه من العمل المقدم.