رخصة مزاولة الطب فى بريطانيا ليست مدى الحياة ولكنها تجدد كل خمس سنوات ومن شروط تجديدها أن يعطى أستاذ الطب خبرته لتلاميذه من الأطباء الشبان وتدريبهم وتعليمهم، ولذلك يكون حريصاً على منحهم كل خبرته من أجل مصلحته الشخصية أولاً ثم مصلحة بلده، وليس فى مجال الطب فقط بل فى جميع المجالات بالدول المتقدمة من يتولى منصباً قيادياً يحاسَب على مدى نجاحه أو فشله فى إعداد كوادر تتحمل المسئولية، وكل أستاذ ينقل علمه إلى تلاميذه، ولذلك فإن هذه الدول لا تعانى من نقص الكفاءات والكوادر والعلماء.
مصر زمان كانت كذلك، فعمالقة العلم والأدب والثقافة والسياسية كانوا يأخذون بأيدى الصغار وينقلون إليهم خبراتهم، وكانت هناك مؤسسات تهتم بتربية وإعداد الكوادر، ولكن خلال العقود الأخيرة أصيبت الشخصية المصرية بأمراض اجتماعية أشد خطورة على مصر من مشاكلها الاقتصادية مثل الأنانية والحقد والكراهية، حتى أصبح الوزير أو حتى العالم يبخل فى نقل خبرته إلى الشباب، كما أن سوء الاختيار وتولى قيادات ضعيفة زمام الأمور قامت باستبعاد الكفاءات، وهذا شىء طبيعى، فالضعيف سوف يختار الأضعف منه، حتى وصل بنا الحال الآن إلى العجز الشديد فى الكوادر بمعظم مؤسسات الدولة.
الحكومة المصرية منذ 15 عاماً تقريباً أطلقت برنامجاً لإعداد جيل ثانٍ وثالث من القيادات ولكنه فشل بسبب أنانية الوزراء والمحافظين وقتها، فالكل كان يريد أن يكون هو الرجل الأوحد فى مؤسسته، وحتى يضمن استمراره أكبر وقت ممكن فى منصبه قام باستبعاد كل الكفاءات وتقريب الضعفاء.
فى التعديل الوزارى الأخير تم تعيين عدد كبير لنواب الوزراء بهدف إعدادهم لتولى المسئولية، وأتمنى للتجربة النجاح، وأن يكون هناك تعاون بين الوزير ونوابه وكل قيادات وزارته، فالأفضل له وللبلد أن يكون نجماً وسط النجوم ولا يكون «أعور» وسط العميان، والقائد القوى يجمع حوله الأقوياء ولا يخاف على منصبه، لأنه واثق من نفسه ويعلم أنه ينجح بمعاونيه، ومهما بلغت قدراته وإمكانياته لن يستطيع أن يعمل وحده، كما أن مناخ المشاكل والنزاعات لا يساعد على العمل والإبداع والإنتاج.. حتى فى كرة القدم، أفضل لاعبى العالم (رونالدو وميسى) لم ينجحا بدون مساندة زملائهما، كذلك نجمنا محمد صلاح تفوق بسبب اللعب الجماعى ودعم زملائه وبدونهم لم ولن ينجح.
د. عزالدين أبوستيت، وزير الزراعة الجديد، قال لى إنه يريد أن يترك الوزارة وفيها على الأقل عشرة قيادات يستطيعون تولى منصب الوزير.. هذا الكلام المحترم لا يخرج إلا من شخصية وطنية، وأتمنى أن يكون قادراً على تنفيذه وألا يسمح لأحد بأن يغير قناعته هذه.
مصر ينقصها العمل بروح الفريق، حتى على مستوى المؤسسات الصغيرة، ولهذا يقال إننا ننجح كأفراد ونفشل كمؤسسات، وننجح فى الخارج حيث الانضباط ونفشل فى الداخل حيث الفوضى.
ولكنى متفائل أن يتم القضاء على هذه السلبيات، ومن بشائر هذا التفاؤل أنه ولأول مرة فى مصر يحدث تسليم وتسلم بين الوزراء الجدد والقدامى بناءً على تعليمات رئيس الجمهورية، كما أن رئيس الوزراء قام بتكريم الوزراء القدامى.
أتمنى النجاح لتجربة نواب الوزراء والمحافظين وأن يكون هناك تعاون بين جميع القيادات، فالكراهية لا تحقق تقدماً، كما أتمنى أن يكون أساس تقييم الوزير مدى نجاحه فى إعداد قيادات قادرة على تحمل المسئولية معه ومن بعده.. وتحيا مصر.