فى البداية أود الاعتراف أننى أحب الاستماع للسلام الجمهورى.. أعشق الشعور الذى يعترينى كلما استمعت لموسيقاه الرصينة الفاخرة.. إنه مزيج من الفخر والحماس.. كما لو كان يحمل سحراً خفياً بين ثنايا ألحانه تبعث فى عروقى طاقة لا تتكرر إلا فى سماعه.. بل إننى لا أستمع إليه إلا وأهبّ واقفاً؛ احتراماً وتقديراً لما يحمله من قيمة رمزية للوطن.. ولكننى أعتقد أن الأمر يختلف جذرياً هذه المرة!!
فعلى الرغم من كل ما سبق.. فقد كان قرار وزيرة الصحة بإذاعة النشيد الوطنى وترديد قَسَم الأطباء يومياً فى الإذاعة الداخلية للمستشفيات بالنسبة لى محبطاً للغاية.. فالمستشفيات ذات طبيعة خاصة.. لا يصلح معها مثل ذلك التقليد الذى لا يتم تنفيذه حتى فى المستشفيات العسكرية - اللهم إلا فى طابور الصباح.
المؤسف أن القرار فى الأغلب لن يتم تنفيذه.. أو سينفذ باستهتار ربما يؤذى قدسية السلام الجمهورى نفسه.. ويبتذل قَسَم الأطباء الذى يعتز به كل من يمتهن هذه المهنة النبيلة.
لا يحتاج الأطباء ومعاونوهم من يذكّرهم بقَسَمهم الذى ينفذونه كل لحظة فى عملهم وخارجه.. ولا يحتاج المريض أن يسمع السلام الجمهورى وهو يتألم من مرضه ليتذكر وطنه الذى يحيا به وله..
كان من الأوْلى أن يصدر قرار بعقد اجتماع صباح كل يوم بين المدير ونوابه ورؤساء الأقسام المختلفة والطاقم الطبى من النواب والتمريض لمناقشة حالات اليوم السابق.. أو ما يطلق عليه grand round والذى يتم فى معظم المستشفيات الجامعية وفى كل مستشفيات العالم.. فتناقَش فيه كل المشاكل التى طرأت على المستشفى وأعاقت سير العمل فى اليوم السابق.. ويتم عرض الاقتراحات من العاملين على الإدارة.. وتذليل الصعوبات التى تواجه العاملين بالمستشفى لتحسين سير العمل وخدمة المرضى بشكل أفضل.
أعتقد أن اجتماعاً مثل هذا سيعزز قيم الانتماء للمستشفى بين العاملين به - وللوطن كله بالتبعية - وسينعكس بالإيجاب حتماً على الخدمة المقدمة للمريض الذى هو محور العملية الصحية كلها.. وسيقضى على عدد لا بأس به من المشاكل التى سببها الأساسى دوماً هو انعدام التواصل بين فرق العمل المختلفة فى المستشفى الواحد.
إن الاهتمام بجودة الخدمة الصحية.. والاقتراب من مشاكل الأطباء المزمنة كتأمين المستشفيات وتحسين دخلهم وتوفير بيئة مناسبة للعمل والتعلّم لهم.. بالإضافة إلى تأمين احتياجات المريض من أدوية ومستلزمات وتوفير مكان آدمى لتلقى العلاج، قطعاً سيعزز الانتماء أكثر بكثير من إذاعة النشيد الوطنى - الذى سيقابل باستخفاف وسخرية لا تليق بقيمته - وأكثر من التذكير بالقَسَم الذى يحمله كل طبيب فى عقله.. ويقضى حياته وهو يحمله بين يديه قبل أن يردده بلسانه.
ربما كان ترديد النشيد والتذكير بالقَسَم فى مطلقه جيداً.. ولكن لأن لكل مقام مقالاً.. فأعتقد أن المستشفيات لم ولن تكون مقاماً لهما..!
فليس بالنشيد وحده يحيا الانتماء يا أولى الألباب!!