يظل الأمل فى جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى -وإن طال أمد تحقيقه بعض الوقت- هو الدافع الرئيسى وراء تحمل المواطنين -بمختلف مستوياتهم الاقتصادية- «تكلفة» هذا الإصلاح مهما كانت معاناتهم بسبب فاتورته الملتهبة التى أجبرت فئات عدة كانت تعتبر نفسها «مستورة» على أن ترضى بالاستغناء عن احتياجات كانت تراها ضرورية لمعيشتها، وأن تنتقل ولو مؤقتاً إلى «قاعدة الهرم العريضة»!
بكل قناعة ارتضى المواطن «خفض الدعم» عن الكثير مما يتعلق بمعيشته كخطوة أولى تمهيداً لإلغائه نهائياً سواء بوجه عاجل أو على المدى القريب «المحروقات: بنزين وسولار وبوتاجاز.. المياه والكهرباء.. غاز المنازل.. المواصلات بكل أنواعها: المترو.. السكك الحديدية.. النقل العام».. وغيرها مما يمثل قاسماً مشتركاً بين المواطنين بمختلف مستوياتهم بينما ينفرد البعض ممن يعد نفسه ضمن الطبقة المتوسطة بتحمل زيادة أضيفت على «رسوم التنمية» فيما يتعلق بتراخيص السيارات «سواء كانت جديدة أو موديلاً سابقاً» إضافة إلى استخراج رخص القيادة أو تجديدها..!
وإذا كانت قواعد المنطق تؤكد أن أبسط حقوقك هو أن تحصل على أى خدمة أو سلعة سددت ثمنها مقدماً فهو أمر طبيعى للغاية.. أما أن يسعى البعض بما يمتلكه من أدوات إجبار لإرغامك على سداد سعر سلعة أو رسوم خدمة فى حالة سيئة، فهذا يسمى ابتزازاً يتحول إلى نوع من «البلطجة» تمارسها عليك بعض الأجهزة الحكومية بإجبارك على سداد ثمن السلعة أو رسومها مرة أخرى لتحصل عليها من مكان آخر بالحالة التى ترضيك وبصورة جيدة دون أن تكون منقوصة!!
عوائد.. ضرائب.. رسوم نظافة.. رسوم صرف صحى.. وغيرها من مفردات قائمة طويلة من الضرائب والرسوم يتحملها المواطن ثمناً مقدماً للخدمات أملاً فى أن يحصل عليها، غير أن أجهزة الحكومة تطالب المواطن بتحمل «ثمن» هذه الخدمات مرة أخرى إذا احتاجها، وهو أمر تنطبق عليه أوصاف قد يؤدى نشرها إلى «التخشيبة»!!
ارتضى المواطن بأن يتحمل أعباء فاتورة الإصلاح ورفع الدعم اعتقاداً من جانبه بأن ما سيتم توفيره من أموال الدعم سيتم توجيهه لمختلف الخدمات لتصبح فى الحال أكثر جودة: التعليم.. الصحة.. النظافة.. توافر السلع الغذائية بأسعار مقبولة تتوافق مع الدخل الذى أصبح محدوداً للغاية بالإضافة إلى توفير وسائل مريحة للنقل إلى جانب إصلاح الطرق القديمة «المليئة» بالحفر التى تشبه إلى حد كبير «الشراك الخداعية» لاصطياد «الفرائس» فى غابات أفريقيا إضافة إلى مطبات الكبارى -وبخاصة كوبرى أكتوبر- التى يكفى المرور عليها يومياً لأن تصاب بـ«الشلل الرعاش» أو تتفكك سيارتك لتصبح «عجلة القيادة» هى الجزء الوحيد السليم لأنك تمسك بها من بين ما كنت تعتبرها «سيارة» قبل مرورك على «حقل ألغام» أكتوبر..!
أما كوبرى «السيدة عائشة» -رضى الله عنها وأرضاها- فهو ينفرد دون بقية كبارى العالم بأن له «مطلعاً» واحداً، أما «المنازل» فهى متعددة وفقاً لمصير وحياة من يمر عليه، إذ ربما تكتب النهاية لقائد السيارة وعدد من المشاة أسفله سواء كانوا عابرين للطريق أو فى انتظار «ميكروباص» يستقلونه ضمن العشرات المتراصة أسفل الكوبرى لتنتهى «الرحلة» بالصلاة على جثامين الضحايا بمسجد السيدة عائشة وعبور الطريق إلى المدافن التى تحيط بالكوبرى، إلا أنه يتبقى ضرورة إقامة «كنيسة صغيرة» فى المكان لتكتمل الصورة بأداء القداس على أرواح الضحايا من إخواننا المسيحيين وليصبح هذا الكوبرى الوحيد فى مصر الذى يراعى البيئة المحيطة به..!
فى ظل إصرار الحكومة الحالية على إعادة تحميل المواطن رسوم الخدمات المختلفة وتكلفة إصلاح المرافق العامة -دون أن يتحقق ذلك- على الرغم من سداده كامل واجباته الضرائبية.. أصبح من حقك باعتبارك مواطناً أن تعتمد على تدبيرك اعتماداً كاملاً بمعنى أن تعلن استقلالك تماماً عن الحكومة.. وأن تشكل حكومتك القطاع الخاص إذ إن كل «المعطيات الحياتية الحالية» تؤدى إلى ذات النتيجة «تشكيل حكومة قطاع خاص».. إن لم تصدقنى فلنبدأ من الأول:
منذ زمن ليس بالقصير فإن المواطن يولد إما على يد أى «داية» أو فى مستشفى على يد طبيب، وكلاهما قطاع خاص.. حتى إن ولدت فى مستشفى عام يتحمل والدك جميع المصروفات فتصبح وكأنك ولدت فى مستشفى خاص.. يلحقك السيد الوالد بمدرسة خاصة.. أما إذا كنت من «المتعوسين» فتلتحق بما يسمى مدارس الحكومة وتكتشف بعد ذلك أن من تحمل اسمه يسدد نفقات تعليمك الحقيقية لأباطرة الدروس الخصوصية يعنى قطاع خاص.. تحصل على الثانوية العامة فتلتحق بالجامعات الخاصة أو يعيد أهلك مأساتهم فى تحمل أعباء الدروس الخاصة إذا كنت ضمن المحشورين فى مدرجات ما تسمى الجامعات الحكومية.. تتخرج فى الجامعة فلا يبقى أمامك سوى إما الجلوس على المقهى بشحم «الفابريكة» أو العمل فى إحدى الشركات الخاصة أو التفكير فى السفر للخارج، وإن كنت سعيد الحظ تعمل مع الوالد إما فى الورشة أو فى الغيط وفى كل الحالات قطاع خاص..!!
تشرب مياهاً تشترى زجاجاتها من أى سوبر ماركت أو محل للبقالة.. وإن مرضت لا قدر الله تلجأ لعيادة طبيب أو مستشفى خاص أو تتحمل نفقات خرجتك إذا دفعك حظك العاثر إلى أن تكون أحد ضحايا ما يسمى المستشفيات العامة..!!
عندما تتزوج يصبح أمامك طريقان لشقة الزوجية وكلاهما قطاع خاص، فإما أن تشارك أشقاءك الصغار فى شقة الأسرة، أو تبحث عن شقة لدى أى صاحب عقار بعد أن تبيع «غوايش الحاجة» وتهدر تحويشة عمرها.. أو يسعدك الحظ وتجد «خندقاً» فى أى منطقة عشوائية خطرة لينقلك السيسى إلى شقة آدمية ضمن جهوده للقضاء على العشوائيات لتتمتع بملكك الخاص..!
حتى عندما يحين أجل الله فيكون أمامك طريقان للقطاع الخاص أيضاً ولكن للراحة الأبدية، فإما أن تدفن فى مقابر الأسرة أو فى مقابر الصدقة وهى بالتأكيد قطاع خاص.. ألم أقل من البداية إن من حقك الآن أن تشكل حكومتك الخاصة إلى أن تتحسن الظروف؟! غير أن المشكلة الوحيدة التى قد تواجهك هى أنك لن تستطيع أن تستخف بعقول مواطنيك كما يفعل بعض المسئولين معنا فهم فى النهاية أولادك وأمهم..!