فى 23 يوليو 1952 خرج الجيش من ثكناته فى تحرك بدا أنه يستهدف إبعاد الملك، ولكن تبين فيما بعد أن من بين استهدافاته إنهاء الاحتلال العسكرى وإعادة حكم مصر للمصريين لأول مرة فى التاريخ.
حديث الانقلاب فى توصيف ثورة يوليو مُضحك ويُشعرك بالأسى تجاه أصحابه، فهو يعتمد على أن أى تحرك عسكرى فى السياسة بمثابة انقلاب، ولا يدرك أصحاب هذا الاتجاه أن تقييم أى حالة سياسية يرتبط بلحظة حدوثها والمناخ السائد ولا يرتبط بلحظة التقييم بعد عشرات السنوات.
الجيش المصرى عام 52 لم ينفرد بتحرك انقلابى على الأوضاع وإنما شارك فى تحقيق التغيير المطلوب ضمن عشرات الأدوات السياسية التى كانت موجودة آنذاك، وكلها تتحرك وتطالب بالتغيير فى واقع لم يعد يحتمل الاستمرار من كافة النواحى، قدرة الجماعات السياسية على إنجاز التغيير بمفردها فى وجود قوات الاحتلال كانت شبه منعدمة، خصوصاً أن القوى الكبرى مثل الوفد صاحب التاريخ الوطنى اندرج تحت ضغط الواقع ضمن قائمة التفاعل مع قوات الاحتلال وأوامره ونفوذه، كما حدث مثلاً فى واقعة حصار قصر عابدين، بينما اقتصر تحرك جماعة الإخوان على مغازلة كل الأطراف واللعب على كل الحبال لتحقيق مصالح الجماعة فقط ولو على حساب الأمة، لعل هذه المعطيات تفسر فى جانب منها لماذا تأخر التحرك الثورى، ولماذا لم تنجز مهام التغيير، ولماذا لم تحقق الجماعات السياسية استهدافاتها طوال عشرات السنوات رغم كل التضحيات التى قدمتها، فى حين بدأت عملية التغيير تؤتى ثمارها لحظة إعلان شباب ضباط الجيش انحيازهم للمطالب الشعبية.
الشاهد أن تحرك الجيش لم ينطلق من صراعات ترتبط بمصالح أبنائه، قدر ما انطلق من تفاعل مع مطالب الثورة الوطنية، التى ظلت لسنوات تنادى بالاستقلال والتخلص من الظلم وإقامة عدالة اجتماعية، هذه الشعارات التى انحاز شباب ضباط الجيش لها هى التى جعلت منهم جزءاً من حركة تغيير ثورى وليس مجرد انقلاب لتحقيق أهداف لا ترتبط بدعوات ومطالبات شعبية، ورغم كل ما يقال من وقائع تاريخية عن علاقات بين شباب ضباط الجيش وسياسيين فى العامين الأولين من الثورة، فإن سلسلة الخطوات والانحيازات الاجتماعية والوطنية التى تحققت كشفت بجلاء وجود رؤية لدى الثوار وأن ما تم لم يكن مجرد انقلاب على القصر والملك، وإنما كان تحركاً ثورياً يستهدف وبوضوح اختراق المجتمع بجملة من التغييرات الشاملة لكافة نواحى الحياة، وهو ما ازداد وضوحاً فى السنوات التالية.
الجيش فى 1952 شارك الشعب فى إعادة حكم مصر للمصريين، وفى 2013 شارك الشعب فى إعادة الدولة المصرية للمصريين.