الغالبية العظمى من المجتمعات العربية تحترم العادات والتقاليد إلى حد القدسية، فقد أصبحت لدى البعض منهم أهم وأقوى حتى من النصوص الدينية، الأمر الذى خلق من تلك المعتقدات الموضوعة حواجز وقيود من حديد تدمي من يحاول الخلاص منها.
يحاول «ناصر» بطل أحداث رواية «سقف الكفاية»، للكاتب «محمد حسن علوان» الصادرة في نسختها الرابعة عشر عن دار الساقي عام 2017 الخروج عن تلك العادات والتقاليد وتحديها بالكتابة.
تبدأ أحداث الرواية في مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، نلتقي بطل الرواية «ناصر» شاب ينتمي إلى أسرة من الطبقة المتوسطة قرر اعتزال العالم فيما عدا جدران غرفته الأربعة؛ لكتابة رواية يسجل من خلالها تفاصيل قصة الحب الأولى في حياته والتي نتعرف من خلالها على البطل الثاني للأحداث.
«مها» حبيبة البطل التي استطاعت خوض العديد من العلاقات العاطفية رغما عن تلك القيود الاجتماعية الشديدة التي يفرضها المجتمع على المرأة على حد سواء وفقا لما أكده الكاتب من خلال الأحداث، تلتقي الفتاة التى تنتمي إلى أسرة من أغنى طبقات المجتمع ب «ناصر» فتجمعهم قصة حب يتحدى كل منهم من خلالها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي تباعد بينهم.
استطاع الحبيبين تخطي كل المألوف والمحظور من العادات والتقاليد؛ فتطورت لقاءاتهم إلى مقابلات ليلية فى منزل البطلة، تلك اللقاءات التي تثبت أن الإنسان وليد المجتمعات المتشددة حين يريد الخلاص من هذا التشدد قد يأتي بأفعال تتعدى حتى حدود الحريات المشروعة، تستمر قصة الحب والعلاقة السرية قرابة العامين إلى أن تتزوج مها من خطيبها الثري دون أن يعلم أحد عن سرها شيء ليثبت الكاتب مرة أخرى أن المجتمعات المتشددة لا تهتم سوى بالمظاهر الخادعة.
تستمر عزلة «ناصر» إلى أن يقرر الرحيل عن وطنه، لنلتقي باقي الأبطال فى مدينة فانكوفر الكندية، ومنهم «ديار» شاب عراقي فر هاربا من نظام مستبد تسبب فى فقدانه والديه، ثم جاء غزو العراق للكويت تلك الكارثة التاريخية التى تفقده باقي أفراد أسرته ويفقد العراق بأكملها استقرارها وسلامها الداخلي حتى الآن.
جمع الكاتب بين «ناصر وديار» فى كندا؛ ليقارن من خلالهم كل مجتمع بالآخر، وأن لكل إنسان قيود نفسية مختلفة تختلف باختلاف التجربة، وأن شخصية الإنسان ماهى إلا نتيجة لما تعرض له من تجارب، بالإضافة إلى أن الخلاص من المشكلات على اختلافها لا ينتهي إلا بالمواجهة.
بتسلسل الأحداث يظهر السرد ويعلن عن نفسه كبطل من أهم أبطال الرواية ومن أهم عوامل نجاحها، فبطل الأحداث شاعر يحاول أن يكتب الرواية للمرة الأولى وهذا الأمر استطاع الكاتب أن يبرزه من خلال السرد؛ فمواطن الجمال كثيرة ودقة الوصف واضحة وتلك اللغة لا تأتي ولا تستوقف سوى الشعراء، ونرى أخطاء بطلة الرواية وملامحها من خلف حجاب وهو السرد الذي يأتي على لسان البطل فيوضح مدى ذكورية المجتمع فالمرأة حتى لو كانت جزء من حكاية على ورق تأتي من خلف حجاب.
يقرر «ناصر» العودة إلى الرياض بعد أن أتم كتابة حكايته ونشرت فى جميع أنحاء العالم، الأمر الذي قد يستوقف القارئ ليتساءل: هل تستحق قصة الحب الأولى هذا العناء للخلاص من ألمها؟! لتجيب أحداث الرواية والتجربة الشخصية لكاتبة المقال ب "نعم" تستحق أكثر من ذلك لما لا وهى المرة الأولى التى نشعر بالاحتياج لإنسان تختاره بكامل إرادتك بعيدا عن رابطة الدم أو المصالح، بالإضافة إلى أن إعطاء التجربة الأولى حقها حتى ولو لم يبقى منها سوى الألم يعكس مدى احترامك لانسانيتك واستيعابك لأهمية التجربة.
بنهاية أحداث الرواية واختلاف مصائر الأبطال يثبت الكاتب أن قوة الإنسان الحقيقية لا تكمن فى تجاوز الألم لحظة وقوعه، بل فى كيفية التعامل مع هذا الألم على المدى البعيد، ونكتشف أيضا أن كفاية الإنسان نسبية ترجع إلى مدى حاجته إليها فمن يفتقد وجود حبيب يشعر دوما أن وجود هذا الحبيب هو سقف حاجته وكفايته من العالم، ومن فى حاجة إلى وطن يشعر أن أرض هذا الوطن هى كل كفايته وحاجته من العالم.