العقل يقول إن زيادة سعر أى خدمة يعقب تحسين مستواها، أما أن يسبقه فتلك هى الأعجوبة. مَثل من يفعل ذلك كمثل من يبيع سمكاً فى مياه، والمستهلك لا يشترى «سمكاً فى ميه»!. أقول ذلك بمناسبة التصريح الذى أدلت به وزير البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد وذكرت فيه أن الوزارة بصدد إعداد مقترح لإعادة تسعير رسوم جمع القمامة من المنازل، بحيث تبدأ من 4 جنيهات إلى 24 جنيهاً، والهدف من ذلك هو الحفاظ على البيئة!.
تعلم السيدة الوزيرة أن المحكمة الدستورية العليا قضت فى حكم شهير لها عام 2017 بعدم دستورية قرار المحافظين بفرض رسوم للنظافة وتحميلها على فاتورة الكهرباء، ورغم ذلك لم تزل وزارة الكهرباء تجمع هذه الرسوم. الحكومة من جهتها وافقت فى أبريل 2018 على تعديل قانون النظافة وإحالته إلى مجلس النواب، للموافقة عليه، وهى استجابة محمودة لتصحيح وضع غير دستورى، لكن السؤال: ما مصير «المبالغ غير الدستورية» التى سبق وحصّلتها وزارة الكهرباء طوال السنوات الماضية بالمخالفة للدستور؟. لا يهم أن تعود أموال المواطن إلى جيبه، فقد ذهبت إلى الحكومة، والجيب واحد، لكن هل من المنطقى أن ينصرف تفكير الحكومة الآن -كما صرحت وزير البيئة- إلى زيادة الرسوم، رغم أنها مديونة للمواطن؟!. هل تغار وزارة البيئة من الكهرباء التى رفعت سعر الاستهلاك، فأرادت هى الأخرى أن تخرج بمصلحة؟!.
العلاقة بين الكهرباء والقمامة علاقة أساسية. فمن مراجعة عدد من التصريحات التى جاءت على لسان مسئولين حكوميين تستطيع أن تستخلص أن رسوم النظافة سوف يتم تحديدها مستقبلاً بناءً على معدل استهلاك الكهرباء. فواتير الكهرباء العالية سوف تصحبها رسوم نظافة مرتفعة، والفواتير المنخفضة سوف تقل الرسوم عليها. الحكمة من هذا التوجّه واضحة، فثمة ظن لدى الحكومة أن من يستهلك الكهرباء بمعدلات أعلى تكثر قمامته، عكس المواطن الصالح الذى يستهلك كهرباء أقل. وبصراحة لست أدرى الأساس المنطقى لهذه التخريجة العجيبة.
النظافة من الإيمان. تلك حقيقة، لكن خبرة المواطن مع الحكومة منذ بدء تطبيق «فرضة» رسوم النظافة أن القمامة فى الشوارع لم تقل، هذه مسألة تستطيع أن تعاينها فى كل الاتجاهات. كان من الممكن أن يشعر المواطن بجدوى ما يدفعه إذا شعر بأن الخدمة تتحسّن، وأن الجهات المسئولة عن رفع القمامة تقوم بدور حقيقى فى تنظيف الشوارع، ومؤكد أن تحسّن مستوى الخدمة كان سيُبرر له أى زيادة جديدة تفرضها الحكومة، ما دام يقابلها جهد أعلى. الطريقة التى تفكر بها الحكومة فى زيادة رسوم الخدمات دون تحسين فى مستوى الجودة تبعث للمواطن برسالة ملخصها أن الزيادة من أجل الزيادة، وأنها فقط تستهدف تعظيم دخلها بغض النظر عن الأداء، وهى رسالة شديدة السلبية. المواطن له عينان يرى بهما القصور فى الأداء، ويلاحظ من خلالهما كيف أن عمال النظافة التابعين للأحياء يعملون دون إشراف حقيقى، وأن أغلبهم يجمع الآن بين وظيفتين، وظيفة كنس مربع لا يزيد طوله وعرضه عن متر فى أى إشارة مرور، ووظيفة موازية تتمثل فى التسول. الناس معذورة بالطبع، والحياة أصبحت صعبة، لكن الخدمة كما هى، بل تزداد سوءاً فى بعض الأحياء، فلماذا لا تفكر الحكومة فى تنظيف الشوارع والحوارى، مثلما تفكر فى تنظيف جيوب المواطن؟!.