نمت فى مصر الثمانينات ظاهرة المناطق السكنية المبنية على أطراف المحافظات والمحاطة بالأسوار، التى نعرفها اليوم باسم «الكومباوند»، وانتشرت لتصبح هى الطابع الغالب على طول الساحل الشمالى والتجمعات السكنية فى مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة والتجمعات والمدن فى طريق القاهرة السويس، وانتشر النمط العمرانى الكومباوندى فى كل محافظات مصر.. والسمت الأساسى للكومباوند يتمثل فى سور ضخم يحيط بالمبانى وإدارة وحراسة عامة.. ومع السور نشأت طبقية مرتبطة بالمبالغ الضخمة المدفوعة فى ثمن الشقة والفيلا والمحل داخل السور، حيث يمثل الثمن أضعاف قيمة المدفوع فى ذات المساحة السكنية خارج السور.. وفرضت تلك الحالة «السورية» أنماطاً من العزلة على من يسكنون داخل الكومباوند، حيث تسود ثقافة نحن الأفضل وخلينا فى حالنا ولا نقترب من الآخرين من السكان إلا فى إطار تعال متبادل بين الجيران، وتباه مقصود بالمال بوصفه معيار التفوق الوحيد داخل أسوار الكومباوند.. وعلى المستوى الاجتماعى تراجعت معدلات التزاور من الأهل والأصدقاء من خارج السور.. ولم تعد الحاجة للجار ضرورية، فهناك من يسارع بتلبية الحاجات من الإدارة وعمالها وحراسها.. وهو ما ضخم أدوار هؤلاء وساعد على ظهور حالات الانحرافات، خاصة السرقات من داخل السور.. وتنامى شعور بالفقر والضآلة والحقد الطبقى خارج السور، وبخاصة فى الأحياء الشعبية الفقيرة، التى دائماً قريبة جغرافياً من الكومباوند وتصدر عمالة وخدماً للعمل فيه.. والظاهرة برمتها غريبة على المجتمع المصرى الذى عاشت طبقاته وفئاته الاجتماعية متجاورة، فكنا نرى قصور الأغنياء مجاورة لمساكن الطبقة الوسطى والفقراء فى شبرا والعباسية والظاهر ومصر الجديدة والجيزة والمنصورة وأسيوط وكل أحياء الإسكندرية وغيرها.. وكان الفقراء يتباهون بالأغنياء فى حيهم والأغنياء يحرصون على التواصل الاجتماعى الطيب مع الجيران.. وساد السلم الاجتماعى والفدائية فى الدفاع عن أهل وجيران الحى والقرية والمدينة والدولة.. وكان السلم الاجتماعى أبرز قوى الشخصية المصرية والدولة عبر العصور.. وإذا كانت تلك ملاحظات أولية مدروسة عن انعكاسات الحياة فى كومباوند على من يعيشون داخل السور أو خارجه فإن المخاطر الاجتماعية والسلوكية وتنامى معدلات جرائم السرقات فى المدن الجديدة تحتاج إلى دراسات متعمقة من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قبل أن تستفحل المشكلات وتهدد بقوة مرتكزات السلم الاجتماعى فى المجتمع.
والله غالب.