أشرت فى مقال الأسبوع الماضى إلى عدة أسباب تدعنى أخالف الرئيس السيسى فى رهانه على الأزهر وحده لتجديد الخطاب الدينى، وطالبت الرئيس بتكليف الحكومة بكاملها للقيام بتلك المهمة، وما دفعنى لذلك هو مرور نحو 4 سنوات على هذه الدعوة، التى كررها أكثر من مرة، آخرها فى مؤتمر الشباب الأخير فى جامعة القاهرة قبل شهر واحد تقريباً، ولم نلمس تحركاً جاداً على الأرض لتجديد الخطاب الدينى، أو حتى زحزحته خطوة واحدة للأمام، ودخول الحكومة بوزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها على الخط فى هذا الإطار ضرورة ملحة، وذلك لأن تلك المهمة ليست سهلة على الإطلاق، كما يتصور البعض، لكنها عملية معقدة تحتاج إلى جانب التأويل الصحيح للنصوص المقدسة فى القرآن والسنة، تهيئة المجتمع كله لثورة حقيقية فى عدة مجالات، فى التعليم.. فى الثقافة، وفى الحياة الاجتماعية نفسها، وما ينظمها من تشريعات، وما يتبعها من تجديد الخطاب العام، اتساقاً مع تطورات العصر والتغيرات فى أحوال الناس والمجتمع.
الحكومة إذا أخذت الأمر بجدية -وقناعة- سنجد مثلاً وزارة الثقافة عبر هيئة الكتاب تصدر طبعات شعبية من مؤلفات مفكرينا وأدبائنا من رواد تجديد الثقافة والفكر الدينى أمثال رفاعة الطهطاوى، والإمام محمد عبده وطه حسين ومحمود عباس العقاد وأحمد أمين وغيرهم، ومن خلال المجلس الأعلى للثقافة يمكن عقد ندوات ومؤتمرات كبرى لمواجهة الخطاب المشوّه لمفاهيم الإسلام، وكشف أباطيل الجماعى.
وتُستغل قصور الثقافة فى أنحاء البلاد بأنشطة ترد بطريقة غير مباشرة على دعاوى تحريم الفنون بكل أشكالها.. وهكذا.
وسنجد وزارة التربية والتعليم تقرر على ملايين الطلاب دراسة مناهج تؤكد قيم الجمال والتسامح ومعنى حرية الاعتقاد والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، ونبذ أساليب التكفير والاستعلاء بالدين.. وإبراز دور وأفكار رواد التنوير.
وسيتعاظم دور وزارة الأوقاف فى مواجهة التطرف الجارى فى أوردة وشرايين البلاد طولاً وعرضاً بقدر ما تضمه من مساجد وزوايا يعتلى منابر الكثير منها غلاة المتشددين من السلفيين، والجهاديين.
وحتى وزارة الداخلية يمكن أن تسهم بدورها من خلال شرطة المصنفات لضبط كتب التكفير والغلو فى التفاسير التى تباع على أبواب المساجد بأسعار مدعومة، ليست لوجه الله.
وسنجد مكتبة الإسكندرية، وعلى رأسها الآن أحد أعلام التنوير فى مصر، وهو الدكتور مصطفى الفقى تدعو إلى مؤتمر دولى لمناقشة تصحيح صورة الإسلام أمام العالم، الذى كاد يلخص الدين الحنيف فى إرهاب «داعش» وإخوتها، ولا بد أن يواكب البرلمان الحدث بتعديل التشريعات اللازمة لتلك النهضة الدينية التى نأملها ويأتى دور الإسلام لتنظيم عملية الإصلاح الشامل فى المجتمع وتبنى الخطاب الداعم لتجديد الخطاب الدينى.
إن الاجتهاد فى تجديد الخطاب الدينى يجب ألا يكون حكراً على الأزهر وحده، حتى لا ندور فى حلقة مفرغة من تفسيرات منقولة منذ أكثر من ألف عام تعتمد أسلوب التكفير والتنكيل بالآخر بزغم أن ذلك من شرائع الإسلام وأعرافه، والوعى العميق بتطورات الحياة والتكيف مع شروطها أبعد بكثير من علماء الأزهر وحدهم، وإلا نكون قد أثقلنا عليهم بما لا يطيقون.
إن صراع الحضارات لا ينتظر الكسالى و«المرحرحين».