لأول مرة وبعد تفكير كثير قررت أن أكتب.. ولأن أبنائى هم محور حياتى وكل ما أملك فى الحياة وسيرتى التى ستستمر بعد مماتى ستكون كتاباتى الأولى عنهم.
الأبناء وما يفعلونه بنا، فهم مرآه لنا تعكس كل ما فينا من حب وكره وغضب وفرح، فكل الأطفال فى سن صغير وليس أبنائى فحسب يحتاجون إلى جهد وعناية وتركيز وقدرة على التحمل تفوق كل البشر.
فى قلب الأم حنان لا ينتهى وشعورها بأبنائها شيء يكاد يكون من الخيال، الأم تعرف تمتمة طفلها الذى لا يتعدى الشهور الأولى، وتعرف ماذا يريد الآن من خلال قلبها الذى شعر به قبل أن تراه بعينها، ويكون هو مركز حياتها، وتقبل ضجيج عالمه الصغير ليخترق عالمها الهادئ وحين يكبر أمامها يحتاج إلى التركيز المكثف فى كل لحظه تمر، وتتحول حياتها الهادئة إلى مسؤولية تحاصرها فى كل ثانية، وهذه المسؤولية تتعاظم حين يكثر عدد الأطفال فى هذا المنزل الصغير، وتتحول الأم ذات الطابع الهادئ التى تفعل كل شيء فى ميعاد محدد له إلى الـ"سوبر ماما" التى تفعل كل شيء فى نفس الوقت، وتنسى نفسها طوال اليوم، وتنسى أنها لم تشرب فنجان قهوتها التى اعتادت عليه فى صباح يومها.
كما تنسى أنها كانت ترغب فى عمل "شوبنج" لها، لكى تتفاجئ أنها لم تشترى شيئا لها، قائمة اهتماماتها تحولت إلى أبنائها، فى الـ"سوبر ماما" تختلف تماما عن الأم العادية، فهى تحتاج إلى أكثر من عين لترى بها كل ما يدور فى بيتها، وتحتاج إلى أكثر من ذراع كى تغطى كل احتياجات المنزل وكل الطلبات فى نفس الوقت، بالأطفال الأخوة الذين لا يوجد فرق فى أعمارهم.
ليست احتياجاتهم موحدة، فكل طفل منهم له احتياجاته الخاصة واختياراته المنفصلة عن أخوته، ولكى تكونى "سوبر ماما" يجب عليك أن تقومى بتنفيذ كل الطلبات فى نفس الوقت، بذهن صاف يستوعب حل مشكلة ابنتك المهمة جدا على حد قولها، فإن صديقتها تضايقها وتأخذ منها قلمها رغما عنها، وتضطر "سوبر ماما" أن تترك كل ما تفعله لكى تنصت لابنتها الصغيرة وتبحث عن حل لهذه المشكلة، كما تحتاج أيضا إلى هدوء أعصاب لتتعامل مع خلافات أبنائها وسط منزل مليء بالضجيج، وتتعامل مع كل كلمة بإنصات، فقد يأتى أبناؤها يشتكى بعضهم بعضا "أخويا جلس مكانى" و"أختى أخذت التوكة بتاعتى"، و"الفازة وقعت لوحدها وأنا بلعب بيها"، وهكذا من المشاكل اليومية التى تستغرق الكثير من الوقت لحلها، ويجب على الـ"سوبر ماما" أن تتعامل معها بكل صبر وتنسى نفسها، ويمر اليوم لتجد الساعة تقترب من منتصف الليل وهى لم تأخذ قسطا من الراحة، ولم تشعر بالتعب إلا حين جلست واكتشفت أنها لم تأكل إلا واقفة، ولم تشرب قهوتها التى أعدتها أكثر من مرة إلا باردة.
وجدت نفسها لم تلبى نداء الطبيعة، نسيت كل شيء وتذكرت فجأة أنها يجب عليها الاستيقاظ باكرا لكى تدخل فى نفس الدائرة المغلقة، تقوم بفعل ما قد فعلته أمس وقبل أمس والأسبوع الماضى من أحداث روتينية، وتمر كل لحظة فى يومها كشريط سينما أمام عينها، وتشعر بعد كل هذا بالندم لكونها لم تكن أما جيدة مع أبنائها، وأنها ليست على قدر كاف من المسؤولية.
ولكن يوجد سؤال.. ليس من حق "سوبر ماما" أن "ترتاح" أو تأخذ يوما إجازة، يوم واحد تهرب فيه إلى أيام الرفاهية، يوم واحد تشعر فيه بالحرية، فليست كل الأمهات قادرات على تحمل مسؤولية ال"سوبر ماما"، وحين يحدث خطأ أو يطرأ طارئا، يلوم الكل الأم المنهكة، فتصبح فاشلة فجأة فى أعينهم، وليست على قدر من الثقة، ولا تتحمل المسؤولية، وينسوا أنه إذا حدث حادث فهى أول من تلوم نفسها وتشعر بالندم، لأنهم أبنائها هى وهم مرآتها، فرفقا بنا نحن الأمهات، لسنا كلنا "سوبر ماما".