من أكثر الجمل التي تستفزني جملة (بدل ما أنت فاضي.....) وهي ذريعة يتخذها الآخرون لاقتحام عزلتي والاعتداء على وقت فراغي القليل، كأنني شكوت لهم من إحساسي بالعزلة والوحدة والملل فهبوا لمساعدتي وملء وقتي بكل ما هو مسل ومفيد من شكاوى ومهام وحكايات لا طائل من ورائها.
هذه الجملة يتبعها دائمًا تكليف في شكل اقتراح بمهمة أو بتولي شأن شيء بحجة انقاذي من وحش الوحدة الذي قد يقودني للجنون أو الانتحار!
يمر أحدهم أمام العيادة فيرى من خلال الباب المفتوح أنني أجلس وحدي ولا يوجد مريض بالعيادة فيدخل فورًا راسمًا أوسع ابتسامة ممكنة: كيف حالك يا دكتور، ما رأيك (بدل ما أنت فاضي) تكشف على الوالد؟
*هل الوالد لديه موعد عندي؟
-لا، ولكن العيادة الأخرى مزدحمة، و(بدل ما أنت فاضي) فلترى الوالد وتطمنه على نتائج التحاليل، الأمر بسيط هناك صعوبة في التبول و...
*أنت تحتاج طبيب مسالك بولية حتى يفيدك، عيادة المسالك في الممر المقابل
-هو أيضًا لديه آلام في الركبتين والظهر
*يا سيدي أنا طبيب قلب.....
-طبيب قلب؟ حسنًا أنا عندي استشارة بسيطة.
ثم يبدأ في البحث في ذاكرته عن أي شكوى من باب " الاستخسار" أو "بدل ما أنت فاضي"
-عندما أجري أشعر بضربات قلبي سريعة.
*هذا أمر طبيعي.
-كيف يكون طبيعيًا، كلما جريت أشعر بها سريعة فعلًا.
*يا سيدي كل الناس يحدث معها نفس الأمر.
-حقًا، لقد ظننت أن قلبي ضعيف ولذلك توقفت عن لعب الكرة رغم أنني كنت رأس حربة ممتاز وكان من الممكن أن.
هذا النوع من المقتحمين لا يتركك إلا بعد أن يعكر صفو ذهنك ويجعلك تتمنى أن تزدحم العيادة بالمرضى ولا يكون هناك أي وقت فراغ لالتقاط أنفاسك حتى لا يأتي من يقتحم وقتك ويتكرم بملئه بما يعتقد أنه سيفيدك ويسليك.
تنتهي من عملك وما أن تجلس حتى يأتيك زميل بابتسامة واسعة (بدل ما أنت قاعد) ما رأيك تساعدني في إنهاء بعض العمل.
طبعًا أنت أنهيت عملك لأنك جئت مبكرًا بينما هو جاء متأخرًا، وما إن يراك جالسًا دون عمل حتى يحاول إنقاذك من الملل والوحدة ويكلفك بإتمام العمل الذي من المفترض أن يقوم هو به ريثما يذهب هو ليشرح لأحدهم رأيه في مباراة أمس مع تحليل خطة كل مدرب وتوضيح ماذا كان من المفترض أن يفعل وربما يخرج من العمل أو يذهب للكافيتيريا المهم أنه لن يرتكب جريمة الجلوس وحيدًا.
الأمر يتكرر في المنزل، في الشارع، في العمل، في الحافلة، في المطار......
والدك: "طالما أنت فاضي انزل اشتر لنا بطيخة"
والدتك: "طالما أنت فاضي ساعدني في تقوير الكوسة"
أخوك: "طالما أنت فاضي سأحضر لك قميصي لتكويه لي"
أختك: "أنت فاضي؟ أخيرًا وجدت من يسمِّع لي قصيدة أبي فراس الحمداني"
أيها السادة أنا لم أشتكِ يومًا من الوحدة والفراغ ولم أطلب مساعدتكم، وقت الفراغ الذي تريدون ملأه -بنية طيبة سليمة صافية- لقد كافحت للحصول عليه، ربما عندما دخلتم أنتم عليّ كنت للتو انتهيت من العمل لساعات متواصلة للحصول على هذه الدقائق من الفراغ، فلا تثقلوا أنفسكم بمحاولة ملئها فأنا أحتاج أحيانًا إلى أن أجلس قليلًا وحدي دون عمل أي شيء، ثم إن لدي قائمة انتظار طويلة من الأشياء التي أود أن أقوم بها مع نفسي.