قضى حياته للحفاظ على التراث الموسيقى القبطى، فبحث عن المرتلين الذين يحفظون الألحان، ثم قام بتسجيلها بعد مراجعتها ومقارنتها لكى يحافظ على عدم الخروج عن النص فى الألحان القبطية، خاصة، أنها كانت تسلم -قبل تدوينها- من جيل إلى جيل شفاهة داخل الكنائس والأديرة المصرية.
إنه «راغب مفتاح» الفنان المصرى الراحل والقدير الذى تمر هذا الأسبوع ذكرى مولده قبل 120 عاماً.. فى 28 سبتمبر 1898، ورحل فى 16 يونيو 2001، إنه الفنان الذى كرس حياته لتحقيق هدف واحد فقط هو تدوين الموسيقى القبطية فى شكل نوتة موسيقية للحفاظ عليها كجزء هام من التراث الموسيقى والإنسانى المصرى، وهو التراث الذى يملكه كافة المصريين.. مسيحيين ومسلمين.
بدأ راغب مفتاح هذه المسيرة عام 1926، فدعا الموسيقار العالمى أرنست نيولاند سميث (الأستاذ بالأكاديمية الملكية للموسيقى فى لندن) عام 1928 للقيام بعمل المدونات الموسيقية للألحان القبطية، حيث وقع اختيارهما على المعلم ميخائيل جرجس البتانونى الذى كان واحداً من أشهر معلمى الألحان الكنسية المصرية، بسبب إتقانه للغة القبطية وإلمامه بقواعد اللغة العربية، ليسجلا عنه الألحان بالكامل خلال الفترة من عام 1928 إلى عام 1936، وأسفر هذا العمل عن تسجيل ستة عشر مجلداً لتلك الألحان.
واصل مفتاح إسهامه عام 1954 حينما شارك فى تأسيس المعهد العالى للدراسات القبطية مع كل من: د. عزيز سوريال عطية ود. مراد كامل، ومن ثم إسهامه القيم فى تأسيس القسم الخاص بالألحان والموسيقى القبطية داخل المعهد نفسه، وقد توج راغب مفتاح مسيرته بإشرافه على إصدار المجلد الضخم عن طقس القداس الباسيلى مع المدونات الموسيقية الكاملة له، الذى تولى نشره قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو العمل الذى استغرق منه أكثر من خمسة وسبعين عاماً لإتمامه.
وهنا أتوقف عند عدد من الملاحظات:
- قيام قسم النشر بالجامعة الأمريكية سنة 1998 بإصدار هذا المجلد السالف ذكره هو أمر حسن، ولكن من يقول لنا: لماذا لم تقم أى مؤسسة حكومية ثقافية بتولى نشر هذا المجلد؟ وأتحفظ هنا بشدة على أن نطالب المؤسسة الدينية المسيحية المصرية بالمشاركة فى هذا الشأن، لأنه تراث موسيقى عام ملك لمصر وتاريخها قبل أن يكون ملك فرد أو مؤسسة أو حتى الكنيسة نفسها.
- لماذا لا يعرف المصريون راغب مفتاح؟ وهل يعود هذا للإعلام أم للصحفيين أم لمن؟!!. وترى، هل سمعت وزارة الثقافة بمؤسساتها المتعددة (خاصة المجلس الأعلى للثقافة) عن المدعو راغب مفتاح الذى يعد واحداً من بين أهم عمالقة تدوين التراث المصرى أم أنه خارج نطاق الاختصاص؟ أم أنهم يعرفونه، ولكنهم يمارسون هواية الصمت.. الرهيب!
- سؤال أكثر سذاجة: لماذا لم يتم إلى الآن تكريم راغب مفتاح من الدولة؟ ولماذا لم تتبن أية مؤسسة رسمية ترشيحه لنيل إحدى جوائز الدولة؟ وأين جامعاتنا ومعاهدنا المتخصصة من الاهتمام بهذا التراث الوطنى الضخم؟
نقطة ومن أول السطر..
يرحل العديد من علمائنا دون أن يشعر بهم أحد.. ولكن تظل إسهاماتهم الفكرية والبحثية تروج لمكانتهم وقامتهم.. فى ظل غياب مقصود أو تجاهل متعمد.