صراع التختة الأولى الذى رسم خريطة أول يوم دراسى، والذى كانت نتيجته مشاجرات وشتائم ومحاضر بوليس وطلوع على مواسير للحاق بالصف الأول، والفوز فى ماراثون التختة المقدّسة والديسك السرمدى!، وصل الصراع أقصى مداه باستشهاد تلميذ ابتدائى فى غزوة أول تختة، مدهوساً تحت سنابك أقدام الفاتحين من فيالق طلبة العلم!، اندثرت جملة «القصير قدام والطويل ورا» لصالح «البلطجى قدام والضعيف ورا»، صارت العافية هى شعار المرحلة، وبدلاً من أن يُعلم الأب ابنه احترام زميله ضعيف النظر بأن يترك له أول صف، يعلمه ويرسّخ فى ذهنه «دوس على الجميع» وأنت تصعد، حتى لو كنت تصعد على المواسير، مثل حرامية الغسيل، هذا الصراع هو إفراز هذا المجتمع الشكلى الذى يتفوق بالشكليات والطقوس والإعجاز وعلى الورق، وبالمنظر وعلى السطح، ويحقق الإيمان بالجلباب، والعفاف بالنقاب، والأخلاق بتكرار العمرة، والورع بالحشرية والفضول والاقتحام بحجة هداية الآخرين. يحارب تلاميذنا للجلوس فى الصف الأول، بينما ينام تعليمنا فى السبنسة، نفس حماسهم فى حجز أول تختة هو نفس حماسهم فى التزويغ من على السور، هؤلاء الأطفال هم نتاج وإفراز آباء يجلسون فى الصف الأول فى أكبر عدد مساجد وزوايا على كوكب الأرض، وهم أنفسهم الذين فى الصف الأول فى نسبة التحرش والدخول على المواقع الإباحية!، التختة الأولى هى مجرد حلقة فى سلسلة زيف مزمن وسراب خادع نعيش فيه من قمة الرأس لأخمص القدم، نظن أننا قد حجزنا التختة الأولى فى الفردوس، لمجرد أننا خير أمة، نعيش فى وهم أننا نجلس على التختة الأولى التى يحسدنا عليها الكافرون الغربيون الذين يأتون صاغرين عندنا ليتسولوا إعجازنا الذى كان فى بطون كتبنا لا يبوح بأسراره حتى جاء السماسرة واستخرجوه وحقنونا بحقن ترامادوله المخدر، يجلس معظم أثرياء قومنا ومليارديراتنا فى التختة الأولى، نتيجة سمسرة أو مضاربة أو تسقيع أرض أو تجارة عملة، ثروة المصنع والإنتاج والجهد والعرق صارت مدعاة للسخرية، الفيلم الذى يجلس على أول تختة، هو فيلم الخلطة المضمونة «عنف وجنس وأغنية مبتذلة وضحك غليظ يحمل من جلافة الحس أكثر مما يحمل من بهجة البسمة»، نظن أن تعليمنا سيجلس على أول تختة بالتابلت، مؤسستنا الدينية تظن أنها ستجلس على أول تختة بأكشاك الفتاوى ودورات محاربة الشيعة والملحدين، خطيب الجامع والمصلون الجالسون أسفل منبره يظنون أنهم قد اقتنصوا التختة الأولى من اليهود بالدعاء عليهم وتشبيههم بالقردة والخنازير، وزيرة الصحة تعتقد أنها قد جلست فى أول تختة أمام سبورة التقدم بإذاعة النشيد فى مستشفى بدون شاش أو سرنجات!، الموظف المرتشى يظن أنه قد احتل أول تختة فى الجنة بمجرد اعتكافه العشر الأواخر أو تزويغه من شغله لأداء صلاة الظهر، الزوج يتخيل أنه قد استولى على التختة الأولى فى قلب زوجته عندما يحتل جسدها فى الظلام لدقائق معدودة مختلسة ويفرغ فيها كبته الجنسى بلا مشاعر أو حب، وكأنها دورة مياه بشرية!.
غزوة التختة الأولى عرت عوراتنا الاجتماعية، وكشفت عن هشاشتنا العقلية واضطرابنا الفكرى وتشوشنا الثقافى، اكتشفنا أننا جميعاً نرتدى أقنعة نُخفى بها دمامتنا وقبحنا الاجتماعى، غير مجد أى إصلاح سياسى إذا لم نرتق نسيجنا الاجتماعى المهترئ، ونسد ثقوبه، أو بالأصح نغزل ثوباً اجتماعياً جديداً يليق بحضارة الحداثة.