فى شقة فى أحد أحياء لندن، وتحديداً فى ليلة الثلاثاء من الأسبوع الأول من شهر سبتمبر سنة 1962م، دارت أحداث مسرحية «غيم الزمان وضفائر الحسان»، تلك المسرحية التى دعت فيها امرأة من نوع خاص -وهى صاحبة الشقة سالفة الذكر- إلى إقامة «جمهورية للعشاق»، نعم «جمهورية» خاصة للعشاق فقط، تبدأ كل قوانينها بالعشق وتنتهى إلى العشق، وقد كانت هذه المرأة ترى أن جمهورية كتلك سوف تكون جمهورية قائمة على السعادة والرخاء والشجاعة والهناء.
وتعالوا معى أسمعكم بعضاً مما قالته تلك المرأة المتمردة فى أحد فصول المسرحية:
(لو كانت مقاليد الأمور بيدى لكنت فعلت أشياء لا يغادر معها أحد هذه الدنيا وفى قلبه حسرة. ومن ذلك أننى كنت سوف أجعل «الحب» إجبارياً مثل الخدمة العسكرية، ولكنت قد منعت الزواج للرجل قبل سن الأربعين، وللمرأة قبل سن الخامسة والثلاثين. فالناس يتعطشون إلى الحب وسوف يطيعونه بقلوبهم وأرواحهم، ... ولابد أيضاً من أن نأمر بتدريس الحب فى المدارس، فضلاً عن تعريف الجميع بروائع الفكر، وللمواهب الإنسانية العالية، وبالإضافة إلى ذلك لا بد من تدريس الآداب والموسيقى والرسم والنحت وكل الفنون التى تتناول مدح الحب، ... وسوف أستعين من أجل إثبات سلامة موقفى بإنتاج أبرز العقول البشرية مند أقدم العصور، ... وسوف أوكل كل الأعمال المهمة فى الدولة إلى العشاق... والخلاصة أنى لو توليت مقاليد الأمور فسوف تكون أهم وزارة عندى وأعلاها ميزانية هى وزارة العشاق)!.
مممممم.. إنها امرأة من صنع خيال الكاتب الإيرانى والرحالة دكتور «محمد إسلامى»، مؤلف مسرحية «غيم الزمان وضفائر الحسان»، الذى كان أيضاً أستاذاً للأدب الفارسى بجامعة طهران، وناقداً أدبياً من الطراز الأول، فضلاً عن أنه كان الوجه المشرق لإيران فى المؤتمرات الأدبية والفكرية العالمية.
ونجد أن دكتوراً إسلامياً فى هذا العمل الفنى رفيع المستوى، حاول أن يقترب من المشاكل التى يعانى منها الإنسان فى العصر الحديث، وذلك من خلال رؤية عميقة وصادقة بأفكار وأسلوب بديع، قدمه عبر عدد من الشخصيات التى ظهرت لنا بصفاتها ولم تظهر من خلال أسمائها كالمعتاد مثل: المرأة، الوزير، الفنان، الصحفى، الدبلوماسى، وهكذا.
ونعود لـ«المرأة» بطلة المسرحية التى تدعو إلى «جمهورية العشاق»، فهى امرأة جميلة وذكية، لديها العديد من الأفكار الثاقبة والشاعرية فى ذات الوقت، ولديها أيضاً نقد قوى للحياة المعاصرة، ولوضع الإنسان فى هذه الحياة.
ولكى تقتربوا أكثر من تلك الشخصية المثيرة للجدل وتتعرفوا على بعض جوانبها، فسأنقل لكم مثلاً جزءاً مما جاء على لسانها عندما تحدثت عن المال حيث قالت: (... لا أظن أن هناك ما هو أعجب من النقود فى هذه الدنيا، شىء بهذه القذارة تتناقله أيدى الملايين، ويتم تتداوله بين الأيدى القذرة والمصابة بالجرب والميكروبات، ومع ذلك فإن أكثر الناس نظافة وأشدهم وسوسة، لا يشعرون بالاشمئزاز من لمسها، ليس هذا فسحب بل ويتحسسونها فى أيديهم بعشق شديد أحياناً، والواقع أن من اخترع النقود كان قد قرأ الفاتحة على روح الحرية، وأنا لا أحب النقود، بل أحتاج إليها. إننى مضطرة لامتلاك النقود، لأن كل ما أريده فى الحياة أستطيع أن أحصل عليه عن طريق هذه النقود فحسب).
ولحديثنا حول «جمهورية العشاق» بقية تستكمل.