الهند حليف استراتيجى للولايات المتحدة. بعد مرور سنوات: باكستان الحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة. بعد مرور سنوات ثانية: الهند الحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة. بعد مرور سنوات ثالثة: لا الهند ولا باكستان حليف استراتيجى للولايات المتحدة. واشنطن تُهدِّد باكستان، وتُهدِّد الهند!
(1)
إنها منطقة جيوسياسية صعبة للغاية.. إنها تهرول فوق الأشواك.. وبين الأشواك. لا تريد أمريكا قوة صينية كبرى.. لذلك فإنها تدعم الهند. لكنّها أيضاً لا تريد قوة هنديّة كبرى.. لذلك فإنها تدعم باكستان. لكنّها كذلك لا تريد قوة باكستانية كبرى.. لذلك فهى توجد فى أفغانستان.
لا تريد أمريكا تحالفاً بين الصين وروسيا، ولا بين الصين والهند، ولا بين الصين وباكستان. إنّها لا تريد أيضاً تصالحاً بين الهند وباكستان.. كما أنها لا تريد ذلك بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
تدير الولايات المتحدة شبكة واسعة من التناقضات المذهلة.. وتسيطر على كثير ممّا يجرى فى آسيا.. بتلك القدرة البارعة على إبعاد الجميع عن الجميع.. وتشكيك الكلّ فى الكلّ.. وقلق القارة من نفسها.
واليوم.. يذهب الرئيس ترامب فى سياساته الجديدة -ما بعد وزير خارجيته تيلرسون- إلى التضييق على الجميع. نعم الجميع.. ومن دون استثناء. على اليابان وكوريا الجنوبية أن تدفعا مقابل الحماية. وعلى الصين أن تدفع مقابل إلغاء العقوبات.. وعلى الجميع أن يمتنع عن شراء السلاح الروسى حتى لا يواجِه العقوبات.
(2)
لم تكن آسيا متحفّزة تجاه الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة.. كما هى الآن. إن روسيا تجد نفسها فى قلب حرب باردة جديدة مع القوة العظمى الأمريكية. وتجد الصين نفسها فى قلب حرب تجارية تاريخية.. لا تعرف أين ولا متى يمكن أنْ تنتهى؟
إن من يتأمل الصحافة الروسية والصينية.. وما يصدر عن مراكز الدراسات فى الدولتين.. يجد حجم القلق قد وصل إلى حافة الخطر. كما أن من يتأمل الصحف الباكستانية.. يجد انهيار الثقة فى الجانب الأمريكى.. واتهامات واسعة لواشنطن بالسعى لتفكيك باكستان وإنهاء الدولة.. بعد نزع السلاح النووى وتدمير كل شىء.
وفى الهند.. أصبح التحدى واضحاً تماماً. إن الهند تتحدّى أمريكا وتزيد من حجم استيرادها من النفط الإيرانى.. مقابل خفض حجم وارداتها من النفط الأمريكى. كانت الهند تستورد من إيران نحو (400) ألف برميل يومياً صارت الآن نصف المليون برميل. وكانت تستورد من الولايات المتحدة نحو ثلث المليون برميل يومياً.. أصبح ثمانين ألفاً فقط.
إن الهند تتحدّى أمريكا فى إيران.. كما أنها تتحداها أيضاً فى روسيا.. ذلك أنها تواجه واشنطن، وتتصدى لقانون العقوبات الأمريكى الذى يمنع أىّ استيراد للأسلحة الروسية.. وفى خريف 2018 وصل التحدى مداه.. ووقّعت الهند صفقة شراء فرقاطات روسية ومنظومة الصواريخ «إس - 400».
إن أكثر من (70%) من تسليح الجيش الهندى (رقم 4 فى العالم) هو تسليح سوفيتى وروسى.. والغواصة النووية الوحيدة التى يملكها الجيش الهندى هى غواصة روسية. وقد لاقى برنامج الفضاء الهندى تقدّماً كبيراً بفعل جهود علماء الهند الكبار والمساعدات العلمية الروسية. إن الهند -الحليف الاستراتيجى السابق- تجد نفسها اليوم مضطرة لأن تقف فى مواجهة واشنطن، وتحدى الإرادة الأمريكية.
إنّ العالم يتغير.. ومعدلات فضّ وإقامة التحالفات تتسارع.. وما كان من الثوابت قبل قليل لم يعد كذلك اليوم.. وما كان مستحيلاً فى السيناريوهات والاحتمالات.. بات عند مرمى البصر.. وصارت وقائعه بالإمكان.
إن واحداً من أبرز التحولات الجيوسياسية الكبرى فى عالم اليوم.. هو تلك الحقيقة الجديدة: إن آسيا تقول لأمريكا: لا.