كلنا يذكر أغلظ الأيمان التى كان يطلقها الرئيس التركى «أردوغان» والخاصة بالقس الأمريكى الذى ظل محبوساً فى سجون تركيا نحو عامين، وهى أنه لن يطلق سراحه ما دام فيه نفَس يتردد وما بقى رئيساً لتركيا، ولابد من عودة المعارض التركى «جولن» ورفاقه من واشنطن فى مقابل هذا القس الذى كان يُطلق عليه أردوغان القس الجاسوس.
والمفاجأة أن أردوغان تنكر لوعوده وتحت جناح الليل أطلق سراح القس الأمريكى الذى فوجئنا به يصافح الرئيس الأمريكى ترامب فى البيت الأبيض.
ولسنا فى حاجة إلى التفكير طويلاً فى هذا الأمر فقد بدا أن هناك صفقة مشبوهة عُقدت بين الرجلين فى واشنطن وأنقرة جعلت أردوغان ينسى أغلظ الأيمان التى خدرنا بها، وأصبحت العلاقة بين واشنطن وأنقرة سمناً وعسلاً مصفى!
وعاشت المنطقة العربية فى كابوس طويل بين اتهام وابتزاز وصفقات فى الخفاء لتنسى حكاية القس الأمريكى أين كان وأين ذهب وماذا كان يفعل.
لقد كشف أردوغان عن طويته ونجحت تسريباته فى أن تجعل الرأى العام العربى والعالمى ينسى القس الأمريكى وإطلاق سراحه وينشغل فى مشاكل أكبر جعلته يشعر بأنه غارق حتى أذنيه فيما يحاك له من مؤامرات.
الغريب والعجيب أن أردوغان لم تهتز له شعرة وفوجئنا جميعاً بأنه استقبل فى أنقرة الرئيس بوتين والرئيس ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمناقشة الأوضاع فى إدلب السورية وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد ونسى الجميع أن الحديث عن دستور جديد هو من أخص خصوصيات السيادة السورية.
باختصار ترك الجميع الكابوس العربى بتفاصيله وثناياه ودخلوا بإعلامهم يتابعون القمة الرباعية ونسوا حكاية القس الأمريكى نهائياً وكأنها لم تكن.
ثم صحونا على خبر وصول نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وزوجته سارة إلى عُمان واستقبال السلطان قابوس لهما.
وانشغل الإعلام العربى بأبعاد ونتائج هذه الزيارة الغريبة التى تذكرنا بزيارة ترامب وابنته إلى منطقة الخليج ذات يوم، وفى غمرة هذه الأحداث لم يعد يتذكر أحد حكاية القس الأمريكى ولا الأيمان الغليظة بعدم إطلاق سراحه..ماذا جرى بالضبط وماذا حدث وما حدود الصفقة التى عقدها أردوغان مع ترامب وراحت ضحيتها الحقيقة وأصبح «الجاسوس» الأمريكى بطلاً على حساب الأوجاع العربية.