- كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أحلم الناس، وأعطفهم وأسخاهم، يخصف نعله ويرقع ثوبه ويخدم فى مهنة أهله «أى زوجته» تكريماً ومساعدة لها.
- وكان عليه السلام أشد حياءً من العذراء فى خدرها، وكان يجيب دعوة الفقير والمملوك ولا يستنكف من ذلك رغم جمعه لرياسة الدنيا «بالحكم» والدين «بالنبوة». وكان يعود المرضى حتى لو كانوا فى أقصى المدينة، ويمشى وحده دون حاشية ولا برستيج ولا مواكب، وكان يركب الحمار والبغل والجمل والحصان ويردف خلفه وكان أشراف العرب يستنكفون ذلك ويأنفونه، وكان يردف الصبى والرجل خلفه على الدابة، وقد أردف ابن عباس ومعاذ وغيرهما وله حديث رائع مع ابن عباس وهما على الدابة.
- وكان يقبل الهدية من كل أحد مسلماً أو غير مسلم ويأكلها ويكافئ عليها بالمزيد، ويرفض الصدقة. كان زاهداً فى الدنيا متقللاً منها، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، ومرت عليه أوقات وهو رئيس للدولة ونبى للأمة لا يجد من الدقل «ردىء التمر» ما يملأ بطنه، ولم يشبع من خبز القمح «أى الخبز الجيد» ثلاثة أيام متواليات، وكان يأكل ما يجده ولا يعيب طعاماً قط، وكان لا يأكل متكئاً ويأكل مما يليه، وكان إذا لم يجد طعاماً نوى الصيام، وسأل زوجاته يوماً عن طعام فقالوا: ليس هناك إلا الخل فقال تأدباً وحمداً وشكراً لا وصفاً ومدحاً: نعم الإدام الخل. وكان يلبس ما يجد من الثياب ولم يحرم ثوباً بعينه سوى ما كان فيه تشبه بالنساء، ولم يحرم لوناً معيناً سوى ما أثر عنه من كراهة الأحمر، وكان يتطيب ويحب الطيب ويكره الريح الخبيثة.
- وكان يكرم أهل الفضل ويتألف أهل الشرف، ولا يجفو على أحد ويكره الجفاء ويقبل معذرة المعتذر إليه، ويمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، ولا يمضى عليه وقت فى غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد له من صلاح نفسه أو غيره. وكان من رحمته بالناس أنه ما ضرب أحداً بيده قط إلا فى حالة الحرب واصطفاف الجيوش، فما ضرب خادماً ولا امرأة ولا أحداً، وما لعن امرأة ولا خادماً، وما انتقم لنفسه قط ولا دار حولها، كان غضبه كله لله، يدور مع الشريعة حيث دارت ولا يدور مع نفسه وذاته حيث دارت.
- وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم فإن كان كذلك كان أبعد الناس عنه، قال أنس: خدمت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عشر سنين فما قال لى أفٍ قط ولا قال لشىء فعلته لم فعلته ولا لشىء لم أفعله هلا فعلت كذا». كان يهضم نفسه فى ذات الله معظماً للحق «سبحانه» ومتواضعاً مع الخلق، وقد وصفته التوراة «عبدى المختار ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يجازى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح».
- وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس، يختلط بأصحابه كأنه أحدهم فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل عنه.
- خيره ربه بين أن يكون عبداً رسولاً وملكاً رسولاً، فأشار إليه جبريل أن تواضع لربك، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، يأكل يوماً ويجوع يوماً، يحلم ولا يبطش، يعفو ولا ينتقم، يرحم ولا يقسو. كان لا يواجه أحداً بما يكره، عف اللسان لم يعرف الفحش والتفحش يوماً حتى فى أحلك اللحظات التى كانت قريش تشتمه وتسبه زوراً وبهتاناً.
- كان أصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وأكرمهم عشرة، من رآه هابه لأول مرة ومن خالطه أحبه، كان رقيقاً متبسطاً مع أصحابه إذا تكلموا فى الدنيا تحدث معهم، وإذا ذكروا أمر الجاهلية فضحكوا ابتسم لهم.
- وكان أشجع الناس وروى عن على بن أبى طالب «كنا إذا اشتدت الحرب واحمرت الحدق نحتمى برسول الله فما يكون أحد أقرب للعدو منه».
- كان نعم الأب والجد والزوج وهو القائل «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، حينما أغضبته زوجاته لم يطردهن بل ذهب هو إلى بيت أبيه «المسجد» ونام على الحصير حتى أثرت فى جنبه، ترى ماذا أخذت أمته من صفاته النبيلة أم أنها تنكبت الطريق وأغفلت هديه؟!