هل انتابتك يوماً نوبة من السعادة عصفت بكيانك كله وشتت مشاعرك وعبثت بها وواصلت نغزك وهدهدتك وطبطبت على قلبك وأصابته برجفة حتى أحسست بالخجل من شدة تلك السعادة العاصفة، وتمنيت أن تتحول لإعصار يشدك بقوة إلى داخله ويجوب العالم مهاجماً جميع الأحبة والعشاق والملهوفين والمهمومين والمهزومين والمنتظرين والمتمنين والباحثين عن الأمان والأمل والنجاح، وليحولهم إلى حزمة كبيرة من السعادة ويترك لك زمام الأمور لتنثرها على العالم؟ الإعصار يهاجم وأنت تطلق يدك بسخاء بجرعات كبيرة لا يتوقعها بشر من السعادة حتى الخجل، وهل لديك صديق عندما ترى صورته أو رسائله أو رقم هاتفه يحدثك تسبق ابتسامة واسعة ردّك عليه؟ إن كان لديك أى مما حدثتك عنه فاعلم أن مشاعرك وأفكارك تقوم بترجمة كل ما يصيبك من سعادة وفرح وحب وربما أحزان أيضاً أو آلام أو فقد أو قلق أو انتظار أو تمنٍ أو ترجٍ أو دعاء إلى ترجمة عاطفية.
ولا بد أن أعترف الْيَوْمَ أن هذا المقال من وحى تعليقات أصدقائى وصديقاتى على ما أكتب لهم. فمن خلال كلماتكم اكتشفت أننا جميعا دون تمييز فى حاجة إلى فضفضة ودردشة وتعبير واضح وصريح وجرىء وسريع بل ومندفع وخارق للعادة عن مشاعرنا كى نعيش وتنتعش وظائف أجسامنا الحيوية ولا تتهالك ولا نصاب بالأمراض المزمنة المستعصية التى تلازم الكثيرين منا لتشعرهم عندما يصطدمون بآثارها الجانبية أنهم تعرضوا لما لم يحتملوه من ضغوط، فنحن بكل أسف نعانى من حالة خوف وتردد تقتل كل جمال داخلنا وقد تفشل قصص حب أو لا تخرج للنور لنفس السبب. ومن الغريب أن تلك العواطف تهاجم أصحابها من جديد وتؤلمهم وتقلقهم عندما يقرأون أو يسمعون ما يمس القلوب أو يتوسمون فيه صدق المشاعر، وفى ذلك الوقت تنهال التعليقات وكلمات الإعجاب وكلها ليست إلا تنفيساً عن الحب الذى كان، والذى لم يكتب له الحياة، والمدهش حقيقة أن تلاحظ السعادة الطاغية على ملامح القارئ وهو يتنقل بين الكلمات وكأنه يرحب ويحتضن ما يجده ترجمة حقيقية لما شعر به وأخفاه عن الجميع حتى عن نفسه، ومثله المستمع لأغنية عاطفية ناعمة، ومن الطريف أن أغلب الشعراء والرواة والكتاب يعترفون صراحة بأن أعمالهم هى فى الحقيقة ترجمة لأحاسيس ومعاناة ومشاعر غيرهم وأنهم يتقمصون أدوارهم لتكون نتيجته إبداعات تعيش ويتعلق بها المتلقون والمشاهدون والقراء.
وعن الترجمة العاطفية يمكن أن نقول إنها تؤدى إلى نوع من الاتزان الانفعالى الذى يساعد الإنسان على التحكم فى انفعالاته، فلا تظهر شديدة متهورة بل تتسم بالهدوء فى مختلف المواقف، وقد عرف علماء النفس الانفعالات وبحثوا فيها كثيراً وتسمى فى اللغة اللاتينية (emovire) وفى الإنجليزية هى (emotions) أما فى العربية فهى مأخوذة من الفعل (انفعل - منفعل - انفعالات)، ويؤكد العلماء أن الاتزان الانفعالى لا يكون فى مواقف الغضب فقط بل أيضاً فى مواقف الحب والفرح، كما أنه سمة يتميز بها أصحاب الشخصيات القوية والنفوس الهادئة، ويشددون على أهمية أن يدرب الإنسان نفسه على الهدوء والاسترخاء النفسى لأن انفعالاتنا لها مكونات يجب أن نراعيها، فبعضها بيولوجى وجزء منها معرفى وثالث بيئى، لأننا نتأثر بكل هذه الحزمة فى نفس الوقت، وإذا أدركنا المعنى الحقيقى للترجمة العاطفية فسنعرف سبب خلود كلمات الشعراء وأغانى المطربين والأفلام الروائية الطويلة وتفاعل الأجيال المختلفة التى يفصل بينها عقود من الأعوام واختلاف فى الأحداث المحيطة وطرق التعليم والتأهيل والعمل وأحياناً الثقافات والجنسيات، إلا أن رد الفعل حول إبداع ما يكون واحداً ليس إلا لأنه ترجمة واضحة وصريحة ومفهومة وسلسة وصادقة وممزوجة بعبير الإنسانية الباحثة عن الحب، ولذا عاشت كلمات إبراهيم ناجى وأحمد شوقى ونزار قبانى ومحمود درويش وغيرهم بيننا جميعاً حتى الآن. فأطلقوا أحبائى سراح انفعالاتكم واستمعوا لترجماتكم العاطفية لتجدوا الصحة والسعادة.