منذ بداية شهر نوفمبر الجارى، وأنا أحاول التفكير فى طريقة ملائمة للاحتفاء بذكرى ميلاد أحد أعظم رموزنا، "المبصر" الدكتور طه حسين، والذى يوافق اليوم ذكرى ميلاده الـ 129، فكرت فى اصطحاب كاميرا فيديو للذهاب إلى استراحته المهملة "تونة الجبل" الكائنة فى مسقط رأسه بمحافظة المنيا، والتى ما كان من اللائق أن تكون بهذا القدر من التجاهل، وفكرت كذلك فى الذهاب إلى متحفه بالجيزة لإعادة قراءة تفاصيله، ولما تعذرت ظروف السفر وتأجلت فكرة الذهاب للمتحف، قررت، وذلك أضعف الإيمان، إعادة قراءة لـ"الأيام"، الكتاب الذى قرأه أغلبنا، سواء فى منهج الثانوية العامة، أو من باب الاطلاع، وكنت متأكدة أن القراءة الثانية لهذا العمل، ستكون أكثر متعة للعقل والقلب، كل هذا دار بداخلى ولم أطلع عليه أحد.
إلى أن كان يوم الخميس الماضي، ذهبت لتغطية معرض فن تشيكيلى بعنون "تاء مش مربوطة"، والمعرض مقام بجاليرى فى شارع المرعشلى بالزمالك، ولأن الحى أحد أحياء أهل القمة فعليك أن تذهبه بسيارة، إذا كنت تمتلك واحدة، أو بتاكسي أجرة، وذهبت بالوسيلة الأخيرة، وأنهيت مهمتى بالمعرض وخرجت منه بنوع من الطاقة، إلى جانب أن الجو كان مائلًا للبرودة فى أول هذه الليلة، وواصلت سيرى بحثًا عن مخرج يؤدى إلى شارع رئيسى، للوصول إلى وسيلة مواصلات، وكان من حُسن حظى أنى وجدت نفسى فى شارع طه حسين، الذى أمرّ به لأول مرة فى حياتى، لأكتشف وجود محطة الصرف الصحى التى تحمل اسمه على رأس هذا الشارع، لكي تبدأ حلقة جديدة من تجربتى فى الصحافة، وهى إيمانى بقدرتى، كصحفية، على تغيير الواقع الذى يستفزنى، ومن موقعى كمحررة بجريدة "الوطن"، وليكن الشىء مرتبط بالدكتور طه حسين، هو الخطوة الأولى.
لو كان الوقت مبكرًا ليلتها، لذهبت رأسًا إلى رئيس حى غرب الذى يتبعه الزمالك، أما ولأن الوقت متأخر، فقد أجريت عدة محاولات للتواصل مع رئيس الحى، والذى على ما يبدو سئم إلحاحى فى وقت متأخر نوعًا ما، فقرر إضافتى إلى "البلاك ليست"، لكنى كنت على إصرارى من توصيل الأمر إلى أعلى مستوى ولو كان رئاسة الجمهورية، وكانت الخطوة الأولى هى نشر الموضوع بالصحيفة، والذى وصل إلى السوشيال ميديا، وبرنامج الإعلامى وائل الإبراشي، ليتم بعدها إزالة اسم طه حسين، وفورًا، من على محطة الصرف الصحي، ويتحقق لى ما أردت، لأشعر أنى حصلت بالفعل على مكافأة أكبر من أى مكافأة مادية.
وبعد انتهاء الموضوع، بدأت فى وضع تفاصيله على الطاولة، والتفكير بهدوء، المحطة موجودة بهذا المكان تحت هذا الاسم من عشرات السنين، على حد قول متحدث الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، المكان لا يبتعد كثيرًا عن مقر وزراة الثقافة، ولا عن مقر اتحاد الكتاب، ألم يمر مواطن مصرى من موظفى الوزارة أو من أعضاء اتحاد الكتاب، من هناك؟! الأمر ملفت بشكل لا يثير لبس، كيف مر الناس فى حيواتهم اليومية عليه، طوال هذه السنوات، مرور الكرام بهذا الشكل؟!!عاش صاحب "مستقبل الثقافة فى مصر" ببصيرته!