أثارت الدعوة لإصلاح الخطاب الدينى حالة محمودة من الجدل، وكانت الملاحظة الأساسية أن عدداً من الذين يجب أن يكونوا فى المعسكر المطالب بالإصلاح لم يكونوا كذلك، وكان التفسير أنهم لم يتعاملوا مع مطلب الإصلاح بموضوعية وتجرد وإنما ربطوه برغبتهم فى أن يكونوا فى الصف المناوئ للدولة، رغم أن الدولة هنا تتبنى مطلباً إصلاحياً كان يمكنها التغاضى عنه لو نظرت لحسابات السياسة الضيقة.
كان مما طرح أيضاً تلك الفكرة التى تقول إن الإصلاح السياسى يجب أن يسبق الإصلاح الدينى، وهى فكرة لا يمكن القطع بصحتها، وفى أوروبا مثلاً فقد سبق الإصلاح الدينى ١٥١٧ الماجنا كارتا بقرن كامل، وسبق الثورة الفرنسية بقرنين تقريباً، ولا يعنى هذا أن الإصلاح السياسى ليس ضرورة، لكن لكل مجتمع أولوياته، ولا يمكن وضع العصا فى عجلة الإصلاح لأن هناك من يرغب فى أن يبدو بعيداً أو معارضاً لكل ما تطرحه الدولة، حتى لو كان ما تطرحه رغبة صادقة فى إصلاح ما يعرف الجميع أنه ينبغى إصلاحه.
أياً كان الأمر فالاقتراح الآن أن تتبنى الدولة بمؤسساتها المختلفة حملة لإصلاح (الخطاب الأخلاقى)، أو حملة لإصلاح أخلاق المصريين، وهى حملة لا أظن أنها ستكون محل خلاف بين أى من الأطراف المختلفة، كما لا أظن أنها ستصطدم بأى من الثوابت التى يظن البعض أن عليه أن يقاتل للحفاظ عليها.
لقد أورثت الأربعين عاماً الماضية المجتمع المصرى بعضاً من أسوأ العادات التى لا يمكن الفخر بها، ويعرف الجميع ما نعانيه جميعاً من جراء صفات مثل المظهرية، والكذب، والتدين المظهرى، والطقوسى. وعدم إتقان العمل، وعدم الرغبة فى بذل الجهد، وهى كلها صفات نعرف جميعاً أنها قد تفشت بين المصريين، وأشار الرئيس السيسى لها فى كلمته فى احتفال المولد النبوى الشريف.
إن المطلوب الآن من مؤسسات الدولة المختلفة أن تتبنى حملة للإصلاح الاجتماعى، سبق لى وكتبت عنها مراراً على صفحات جريدتى «الوطن» و«روزاليوسف»، ولا شك أن الإصلاح الاجتماعى وثيق الصلة بإصلاح الخطاب الدينى وإن كان لا يصطدم بما يظنه البعض ثوابت ينبغى الحفاظ عليها، إذ يمكن للأزهر فى هذه الحالة أن يجند دعاته والإمكانات الهائلة التى يحظى بها للمشاركة فى هذه الحملة مع مؤسسات الدولة الأخرى كخطوة على طريق الإصلاح.. وهو طريق طويل يمكن البدء فيه إذا خلصت النوايا وصدق العزم.