اعترف «بيسة» بمسئوليته عن صعود سائح دانماركى وصديقته هرم خوفو وتصوير فيديو على قمته. «بيسة» هو اسم الشهرة للمتهم الأول، كما ورد فى التحقيقات التى تداولتها مجموعة من المواقع، وصنعته «جمّال»، ويعمل بمنطقة الهرم، وقد قدم تسهيلات لإتمام التجربة الدانماركية تتمثل فى إرشاد السائح وصديقته لأسهل مكان يتم الصعود من خلاله لقمة خوفو ويسمى بـ«سن العجوز». لم تشر التحقيقات إلى أدوار مباشرة لرجال الأمن أو موظفى الآثار فى حماية الجد الأعظم خوفو من تطفل المتطفلين.
«بيسة» ليس مجرد اسم شهرة لصيق بالمتهم فى تسهيل صعود الدانماركيين لهرم خوفو، بل هو لقب عام، ينطبق عليه ما ينطبق على مفردات أخرى عديدة مثل «الإشارجى» و«الكومسيونجى» و«الفوريجى» وغير ذلك من مفردات أمست غائبة فى قاموس الدراما والإعلام، لكنها حاضرة بقوة فى قاموس الواقع. «بيسة» هو اللقب الذى يطلق على «المشهلاتى» الذى يعمل فى أى مكان أو داخل أى مؤسسة. وقد لا يكون من المبالغة القول بأنه لا توجد مؤسسة تخلو من «بيسة». مهارة وقدرات الكائن الـ«بيسة» تتمثل فى خبرته الواسعة بأضابير المكان وطبيعة الشخوص الذين يعملون فيه ومراكز صناعة القرار بداخله، ويمتاز بقدرته على التسلل إلى مفاتيح القرار فيه. من سمات كائن الـ«بيسة» أيضاً أنه صاحب مهنة أو موقع بسيط داخل المؤسسة التى يعمل فيها. فقد يكون فرّاشاً أو حرفياً أو سائقاً وغير ذلك من مهن لا نستهين بها بالطبع، فجميعها مهن شريفة ومحترمة، لكننى أقصد بالحديث عنها الإشارة إلى نوعية معينة من المهن تساعد أصحابها على حفظ خرائط المؤسسات التى يعملون بها ونقاط القوة والضعف فيها. وليس شرطاً بالطبع أن يتحول كل من يعمل فى واحدة من هذه المهن أو غيرها إلى «بيسة». لعلك تذكر أن شخصاً يعمل سائقاً كشف أكبر قضية فساد فى تاريخ وزارة الزراعة.
السر فى وجود كائن الـ«بيسة» داخل أى مؤسسة يرتبط بالعقد البيروقراطية التى تحكمها، وقدرته على العبور عليها وتجاوزها ليحل أعقد المشكلات، ليحصل مقابل ذلك على ثمن قد يقل وقد يزيد حسب المطلوب. داخل بعض المؤسسات يحقق كائن الـ«بيسة» مدخولات ومكاسب قد تتفوق على ما يجنيه كبار المسئولين بها، إذا كان الأخيرون شرفاء. والأوضاع الاقتصادية لهذا الكائن تقدم واحدة من الصور المقلوبة فى حياتنا، حينما تجد فرّاشاً يحقق أرباحاً تفوق دخل الرأس الكبير الذى يقف على باب مكتبه، أو سائقاً لمسئول يحقق الكثير من خلال استغلال علاقته بالوزير، وإذا كان هذا السائق «مطأطأ» وتمكن من اختزان بعض المعلومات المزعجة عن هذا المسئول ففى مقدوره أن يحقق منافع ومكاسب أكثر وأكثر.
لا أظن أن تلك هى أول أو آخر واقعة لصعود الهرم وتصوير الفيديوهات والتقاط صورة السيلفى فوقه. الأرجح أن ذلك يحدث كثيراً، والمشكلة فى الواقعة الأخيرة أنها نالت زخماً واهتماماً أكبر من المصريين بعد نشر الفيديو الخاص بها على مواقع التواصل. كل وقائع حياتنا مكررة ونسخ طبق الأصل لأن كائن الـ«بيسة» لا يفنى ولا يستحدث من عدم.