خرجت من باريس، فى أبريل الماضى، دعوة هاذية، تحت جناح «فيليب فال»، المدير السابق لمجلة «شارلى إيبدو»، صاحب السوابق على صفحاتها فى الإساءة إلى الإسلام ورسوله، وتحت جناحه «ساركوزى» الرئيس الفرنسى السابق الجارية مساءلته عن اتهامات فساد، والمغنى «شارل آز ڤاثور» الذى توفى من أسابيع، وآخرون جروا وراء «فيليب فال»، ليطالبوا بحذف آيات القرآن الكريم، بدعوى أنها تعادى اليهود، وتحرض عليهم، وتعادى السامية!
سؤال بلا جواب
لماذا هذه الدعوة الهاذية، هل هى ممكنة أو قابلة للتطبيق، ويتوقع مطلقوها أن يبادر المسلمون بحذف آيات من القرآن!!!
إنهم يعلمون قبل غيرهم أن هذا محال، ويعلمون كما يعلم غيرهم أن القرآن الكريم ينفرد بين كافة كتب الديانات؛ بأنه كلام الله تعالى بنصه ولفظه وحرفه ومعناه، هو معجزة الإسلام الكبرى، تحدى من بهم ريب أن يأتوا بسورة من مثله لو كانوا صادقين، وتحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وقد مضى على نزول القرآن نيف وأربعة عشر قرناً فما استطاع أحدٌ كائناً من كان أن يجيب هذا التحدى، أو يأتى ولو بآية من مثله.
على مدى هذه القرون، والقرآن المبين نور وهداية للعالمين، لم يستطع أحدُ أن يفترى أو يحاكى آيةً منه، ولم يشغل المؤمنين سوى صيانة طبعاته المتزايدة التى أربت على ألوف البلايين، من حذف كلمة أو تحريف لفظ أو المساس بحرف؛ حمايةً لهذه المعجزة الربانية الباهرة التى طفقت تهدى البشرية -ولا تزال- طوال أربعة عشر قرناً وإلى ما شاء الله.
إن مطلوب الدعوة الهاذية، محال.. فما الغرض إذن؟!
الغرض المريض!
إن الواضح أن أدعياء الدعوة لا يعرفون العربية، ولم يلموا بالقرآن، ولا حجة لديهم ولا ذريعة فى ترك العهد القديم على ما به وهم بذلك عارفون، والتهجم بغير فهم على القرآن الكريم!
حملت ذات الدعوة معاول هدمها، وكشفت عن غرضها الحقيقى، وهو صرف الأنظار عن جرائر التاريخ، وعن جرائم الصهيونية، وإثارة الغبار حول الإسلام، واستنفار العداوة له وللمسلمين، فى العالم بعامة، وفى فرنسا بخاصة، حيث فيها ما يناهز ستة ملايين مسلم!
جريرة التاريخ
إنهم يعرفون الجريرة التاريخية الكبرى، بغض النظر عن شخص المصلوب، بذاته كما تعتقد المسيحية، أو بشبيهٍ كما يعتنق الإسلام فواقعة الصلب حادث واقع، يقض مضاجعهم، وباشروا كل وسائل الضغط على بابا الفاتيكان ليصدر وثيقة تبرئهم من دم السيد المسيح عليه السلام، وادعوا فى دعواهم اللاغية، أنه سبق لبابا الكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان، أن ألغى نصوصاً من الكتاب المقدس غير متناسقة ومناهضة للسامية!
وهذا لغو؛ فلا يملك بابا الفاتيكان ذلك، وهناك طوائف المسيحية لا تتبعه، ومن المحال بل من رابع المستحيلات أن يقدم بابا الفاتيكان على ذلك، أو أن يقبله أحد من المسيحيين!
وَهَبُ أن بابا الفاتيكان فعل هذا المستحيل، فماذا عساهم يصنعون بملايين بل مليارات من نسخ الكتاب المقدس التى فى متناول الناس من آلاف السنين، وماذا عساهم يفعلون فى مليارات الأناجيل المتداولة عبر ألفى عام؟! هل فى وسعهم أن يدفنوا ألوف الملايين من نسخ العهد الجديد المتداولة هى والكتب والروايات التاريخية الموثقة.
إن محاولة التبرؤ من جريرة الصلب التاريخية، يدحضها ما ورد فى الأناجيل المسيحية الأربعة ورسائل الرسل الملحقة بالعهد الجديد، وتناولته كتب ومؤلفات كثيرة بغير عدد، وجسدته أفلام تاريخية موثقة أنتجت وصورت فى الولايات المتحدة الأمريكية، وشاهدها العالم ولا يزال يشاهدها عبر شاشات التلفاز، إضافة إلى دور العرض السينمائى.
لا سبيل للأدعياء للتملص من الجريرة التاريخية الكبرى!
يعرف أصحاب هذه الدعوة اللاغية أن المؤلفات المسيحية التى تناولت مأساة الصلب بمئات الألوف فى شتى بقاع الأرض، وعددها فى مصر بالمئات، ومنها تمثيلاً لا حصراً موسوعة الأستاذ زكى شنودة «تاريخ الأقباط»، وكتاب «ذبيحة الرب» للقس أنسطاسى شفيق كاهن كنيسة «مارجرجس» بالإسكندرية، وهناك أيضاً كتاب الدكتور محمد كامل حسين «قرية ظالمة»، الذى طبعت منه عشرات الطبعات، ولكنى أوثر أن أنقل مباشرة ما ورد بالأناجيل، وحسبى أن أتمثل بأحد الكتب المسيحية المتداولة فى مصر بين المسيحيين والمسلمين.
كتاب «ذبيحة الرب» للقس أنسطاسى شفيق كاهن كنيسة «مارجرجس» بالإسكندرية
عن يوم الجمعة العظيمة الذى جرى فيه الجلد والصلب، ومقدماته وختام أحداثه، يدور هذا الكتاب المسيحى، ما تحدث به سفر اللاويين بالعهد القديم عن «العطايا المقدمة لله»، (سفر اللاويين 1: 7، 22: 17 -30)، الدموية وغير الدموية المحرقة مع الذبائح، والذبيحة مقابل الخطيَّة، وذبيحة تعويض الإثم ليعقب بأن «ذبيحة المسيح» تفوق فى الواقع كل ذبائح العهد القديم.
روى القس أنسطاسى شفيق فى كتابه، تفاصيل أحداث يوم الجمعة العظيمة التى جرى فيها اقتياد السيد المسيح عليه السلام، إلى حيث موضع الجلجثة، فدقوا المسامير فى يديه، وقام أربعة من المتوحشين المتدربين على القيام بأبشع الأعمال، وقدموا له شراباً من الخل والخمر والمر، فأبى على ظمئه أن يشربه، فبدأوا عملهم الرهيب بتمزيق ثيابه عن جسده بقسوة وعنف، وبعد تعريته من ثيابه تركوا على هامته إكليل الشوك، ومددوه على الخشبة، وأوثقوه عليها، وجاء جلادو الكتبة والكهنة بالمطرقة الثقيلة، ودقوا بها المسامير فى يديه ورجليه ليثبتوه على الصليب قبل إقامته، وما تحمَّله عليه السلام من آلام الجلد والإهانة وهو مصلوب على الصليب، حتى فاضت روحه عليه السلام وفقاً للروايات المسيحية، أو شبيه له وفقاً للمعتنق الإسلامى الذى ورد بالقرآن الحكيم.
يوم الجمعة العظيم فى إنجيل متى
أورد إنجيل متى وباقى الأناجيل محاولات إعنات السيد المسيح عليه السلام، وملاحقته، وجاء فى الإصحاح الثانى والعشرين من إنجيل متى عن محاولاتهم الكيد للسيد المسيح عليه السلام: «حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكى يصطادوه بكلمة، فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالى بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، فقل لنا ماذا تظن، أيجوز أن تُعطى جزية لقيصر أم لا، فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربوننى يا مراؤون، أرونى معاملة الجزية فقدموا له ديناراً، فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة، قالوا له لقيصر، فقال لهم أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا» (متى 22: 15 22).
وورد بالإصحاح السادس والعشرين:
«حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذى يدعى قيافا، وتشاوروا لكى يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه، ولكنهم قالوا: «ليس فى العيد لئلا يكون شَغْب فى الشعب» (متى 26: 3 - 5).
وجاء بالإصحاح الثالث والعشرين على لسان السيد المسيح عليه السلام:
«لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس» (متى 23: 13).
«ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافاً ودعارة» (متى 23: 25)، «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، هكذا أنتم أيضاً: من خارج تَظْهرون للناس أبراراً، ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثماً» (متى 23: 27 28)، «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فى دم الأنبياء، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء» (متى 23: 29 - 31).