يعجبنى التفاعل المبالغ فيه مع الفتوى الشاذة التى اعتاد هذا السلفى المتشدد إطلاقها فى بداية كل عام ميلادى، وفى رأيى أن الهجوم عليه وعلى أفكاره الأقرب للتخاريف يزيده شهرة، ويزيدها ذيوعاً وانتشاراً، وهو ما يرغبه ويتمناه، الأقرب للعقل والمنطق وتحقيق المصلحة ودرءاً للمفسدة هو تجاهل هؤلاء الجهلاء وما يقولونه، والتركيز على بث القيم الأخلاقية النبيلة، والأفكار التنويرية التى بلا شك ستصنع الفارق لدى عموم الناس، ومن أبدع ما قرأت قول الشاعر القديم
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً
لأصبح الصخر.. مثقالاً بدينار
قولوا للمصريين إن عالم المصريات هنرى بريستيد أثبت فى كتابه الأكثر شهرة على الإطلاق «فجر الضمير» وبالأدلة التاريخية والأثرية المؤكدة أن الحضارة المصرية القديمة هى مهد الأخلاق والقيم والحضارة ومنبعها الذى انتشرت منه إلى مختلف بقاع العالم.
أدرك المصرى القديم أنه لا حضارة بلا قيم؛ لذا سعى إلى وضع مجموعة من القيم والمبادئ التى تحكم إطار حياته، قبل «الوصايا العشر» بنحو ألف عام، وقبل آلاف السنين من الطفح السلفى الذى كاد يطمس هويتنا، وحرص المصرى القديم على إبراز أهمية القيم فى الحياة؛ فكان أهم ما فى وصية الأب قبل وفاته الجانب الأخلاقى، حيث نجد الكثير من الحكماء والفراعنة يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى، وكانوا يحرصون على توضيح خلود تلك القيم فى عالم الموت، ونحتوا على جدران مقابرهم رمز إلهة العدل «ماعت» ليتذكروا أن العمل باقٍ معهم، وعلى لسان أرواح الموتى كتبوا قوانين ماعت (42 قانوناً) بصيغة «الاعترافات المنفية»، وليس بصيغة الأمر والنهى المشمول بالتهديد والوعيد، قوانين ماعت لم تكن مجرد قواعد أخلاقية، وإنما هى جوهر الفضيلة التى أودعها الإله داخل الإنسان، وهى موجودة فيه منذ بداية الخلق، وتنتقل من جيل إلى جيل، وكل ما يحتاجه الإنسان هو استدعاء واستحضار الفضيلة من داخله، كما لا يحتاج إلى قواعد أخلاقية تفرض عليه من الخارج، لأن بداخله الضمير.. جوهر الفضيلة.. وما عليه سوى تفعيل الضمير.. وهذا ما تركه لنا أجدادنا، قوانين ماعت اقرأوها وتأملوها لتعرفوا كم يزايد هؤلاء عليكم باسم الدين:
أنا لم أرتكب خطيئة، أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه، أنا لم أسرق، أنا لم أقتل، أنا لم أسرق الطعام، أنا لم أختلس القرابين، أنا لم أسرق ممتلكات المعبد، أنا لم أكذب، أنا لم أخطف الطعام، أنا لم ألعن (أشتم)، أنا لم أغلق أذنىَّ عن سماع كلمات الحق، أنا لم أزن، أنا لم أتسبب فى بكاء الآخرين، أنا لم أنتحب بدون سبب، أنا لم أعتد على أحد، أنا لم أغش أحداً، أنا لم أغتصب أرض أحد، أنا لم أتجسس على أحد، أنا لم ألفق تهمة لأحد، أنا لم أغضب بدون سبب، أنا لم أغو زوجة أحد، أنا لم أدنس جسدى، أنا لم أقم بإرهاب أحد، أنا لم أخالف القانون، أنا لم أتمادى فى الغضب، أنا لم ألعن أحداً، أنا لم أستخدم العنف ضد أحد، أنا لم أهدد السلام، أنا لم أتصرف بغوغائية، أنا لم أتدخل فيما لا يعنينى، أنا لم أتحدث بالمبالغة، أنا لم أفعل الشر، أنا لم يصدر منى أفكار أو كلمات أو أفعال شريرة، أنا لم ألوث ماء النيل، أنا لم أتحدث بغضب أو استعلاء، أنا لم ألعن أحداً بكلمة أو فعل، أنا لم أضع نفسى موضع الشبهات، أنا لم أسرق ما يخص الناس، أنا لم أنبش القبور ولم أسئ إلى الموتى، أنا لم أخطف لقمة من فم طفل، أنا لم أتصرف بكبر وغطرسة، أنا لم أخرب المعابد.