بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، انتهى حكم المسلمين إلى أبى بكر، رضى الله عنه، بعد جهود ضخمة بذلها عمر بن الخطاب وعائشة وغيرهما من كبار المهاجرين، بالإضافة إلى جهود فريق الأوس من جماعة الأنصار. وكل هذه الأطراف كانت تجد فى أبى بكر الصديق رجل المرحلة، وقد كان رضى الله عنه كذلك، لكن ذلك لا ينفى بحال وجود صراع على الحكم بعد وفاة النبى، وأن هناك فريقاً كان يعارض وجود أبى بكر على رأس الأمة خلال هذه اللحظات من تاريخها، وهؤلاء هم من أبطأوا عن بيعته كما يقول ابن سعد، صاحب الطبقات الكبرى: «أخبرنا عفان بن مسلم قال أخبرنا شعبة عن الجريرى قال: لما أبطأ الناس عن أبى بكر قال: من أحق بهذا الأمر منى؟ ألست أول من صلى؟ ألست ألست؟ قال فذكر خصالاً فعلها مع النبى، صلى الله عليه وسلم».
واجه أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، معارضة تباينت فى أشكالها، ما بين معارضة خاصة ارتبطت بأشخاص محددين، ومعارضة عامة ارتبطت بجماعات من المسلمين من غير أهل مكة والمدينة والطائف. وكان سعد بن عبادة، رضى الله عنه، أشد الصحابة معارضة لخليفة رسول الله، وكان يجاهر مجاهرة صلبة بمعارضة أبى بكر ثم عمر من بعده حتى توفاه الله، يقص علينا «صاحب الطبقات» طرفاً من ذلك ويقول: «بعث أبوبكر إلى سعد بن عبادة: أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما فى كنانتى وأقاتلكم بمن تبعنى من قومى وعشيرتى، فلما جاء الخبر إلى أبى بكر، قال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله إنه قد أبى ولجّ وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر فإنه ليس بضاركم، إنما هو رجل وحده ما ترك، فقبل أبوبكر نصيحة بشير فترك سعداً. فلما ولى عمر لقيه ذات يوم فى طريق المدينة، فقال: إيه يا سعد، فقال سعد: إيه يا عمر، فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه، فقال سعد: نعم أنا ذاك وقد أفضى إليك هذا الأمر، وكان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك، فقال عمر: إن من كره جوار جاره تحول عنه، فقال سعد: أما أنى غير مستنسئ بذلك، وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك، قال: فلم يلبث إلا قليلاً حتى خرج مهاجراً إلى الشام».
تدل القصة السابقة أن معارضة سعد بن عبادة لأبى بكر الصديق كانت فردية، لكن كان من الممكن -حال مواجهتها- أن تتحول إلى مواجهة جماعية (عشائرية) بين المهاجرين والأنصار -بفعل العصبية- لذلك مال خليفة رسول الله إلى الاستماع إلى نصيحة بشير بن سعد -وكانت فى محلها- بترك سعد بن عبادة وشأنه، وقد اختلف الأمر بالنسبة لعمر بن الخطاب بعدما ولى أمر المسلمين، إذ لم يطق فكرة معارضة «سعد» له ودعاه إلى الخروج من المدينة طالما كان كارهاً لجواره، وقد كان ورحل «الصحابى المعارض» إلى الشام ليلقى ربه فيها وليكون أول من رفع «السيف» فى مواجهة استفراد المهاجرين بالحكم فى عهد أبى بكر، وأول من آثر «الهجرة» كتعبير عن معارضته للحكم فى عهد عمر.