مصر اليوم، هى تلك الصبية العفية التى تدب قدماها فى الطمى الأسود، فتنبت «حياة»، التى تعلن موعد شروق الشمس بصوتها الواهن حين تهمس لعيدان القمح وأزهار القطن.. فترفض «التبعية» و«المعونة» بفطرتها السوية.
مصر -كعادتها- تكتب التاريخ بطريقتها الخاصة، ترفع هامتها بشموخ فرعونى وتقول: إلى «الاستفتاء على الدستور»، حطموا بإرادتكم «آلهة السخرة» عند الإخوان.. اطووا صفحة «الخيانة» من قاموس الحكم.. فمصر لا تمنح عصمتها لخائن!.
وليعانق الأذان أجراس الكنائس، ونحن نمحوا العنصرية والطائفية من دفتر الوطن.. ليصطف العامل بجوار الفلاح ولتتصدر «المرأة» المشهد ونحن نوقع بكلمة «نعم» على دستورنا الجديد.
لم تكن المرأة المصرية بحاجة إلى نداء جديد من الفريق أول «عبدالفتاح السيسى»، وزير الدفاع، لتكرر الحشد للتصويت على الدستور، مثلما فعلت يوم 26 يوليو حين طلب تفويضا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل!!.
المرأة «الأم» و«الأخت» تعرف ذلك «المقاتل» جيدا، وكأنما «ندهت» عليه ليأتيها نجدة من الغيب.. واختارته بعين خبيرة وقلب فطرته السوية لا تخطئ: «محارب عنيد» اسمه مكتوب على «كرسى الحكم».
وكأنها من زينت أكتافه بالنجوم الذهبية، وهيأت له «العرش»، ودعت له بعد صلاة الفجر: (ألا يطلب الولاية).. لتأتيه «مطلبا شعبيا» يربط مصيره بمصير البلاد والجنود والعباد.
(أنا مقدرش أدى ضهرى لمصر)، جملة غيرت حسابات اللحظة الآنية، فقد كنا نتلهف «تصريحا» من الفريق «السيسى» بترشحه لرئاسة الجمهورية، فجاءت كلماته هذه -خلال الندوة التثقيفية التى نظمتها القوات المسلحة- لنعيد صياغتها وكأنه قطع لنا وعدا.. ولم يتبق أمامه إلا التشاور مع القوات المسلحة وتفويض الجيش له بذلك.
مصر ليس (على راسها بطحة)، لتبرر للعالم اختيارها لحاكمها، الشعب الذى قام بثورتين وعانى الفوضى والإرهاب الثلاث سنوات الماضية من حقه أن يختار.. وليس مجبرا أن يتنازل عن «زعيم» أحبه ووثق فيه خشية أن يقول العالم إن 30 يونيو لم تكن ثورة بل كانت انقلابا!.
لقد تآمر العالم علينا، ودفع المليارات ليمنح «حماس» الوطن البديل من أرضنا، ويوطن قوى الإرهاب، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة»، فى بلادنا.. فهل هذا مجتمع دولى نقيم له وزنا أو نخجل من تقييمه لاختياراتنا؟!.
(المصريين لا يغلبهم أحد أبدا ولا يقبلون الوصاية من أحد) بحسب كلمات «السيسى»، نحن من نرسم خريطة الانتخابات الرئاسية، وأصواتنا هى التى ستأتى بالرئيس القادم.. أصوات الغلابة والبسطاء ممن يترقبون نفسا يرد الحياة للاقتصاد المنهار لتأتيهم لقمة العيش الشحيحة.
الشعب الذى ألح فى طلب «السيسى» رئيسا لا يعرف رفاهية «النخبة»، التى يتسيد بعضها على الفضائيات وهو يرفض ما يسميه «حكم العسكر» ثم يقبض الثمن بالدولار.. بينما هو يدرك جيدا أن «السيسى» حين يخلع حلته العسكرية يصبح مدنيا مثلنا جميعا!.
بسطاء هذا الوطن لا يتابعون «فذلكة» المثقفين، ولا يفهمون النظرية المشوهة التى تروج لأن بقاء الفريق «السيسى» وزيرا للدفاع أفيد لمصر.. من مجيئه رئيسا.
هؤلاء تحديدا أمامهم مسئولية تاريخية اليوم، فالمشاركة الفاعلة والمؤثرة، للتصويت بنعم على الدستور اليوم، هى التفويض الشعبى الذى طلبه «السيسى».
اليوم نستعيد المسار الديمقراطى الذى حطمه أبالسة الإخوان.. ومع كل «نعم» على الدستور يتجسد اسم «السيسى» على عرش مصر.