حين طلب الرئيس الفرنسى ماكرون عقد لقاء خلال زيارته مصر مع نشطاء انتقاهم عبر إدارته وتبين أنهم جميعاً من جبهة سياسية واحدة لم ترفض القاهرة الطلب، واعتبر الجانب الفرنسى أن طلبه مشروع وطبيعى للاطمئنان على أوضاع حقوق الإنسان فى مصر والاستماع إلى وجهة نظر أخرى.
لكن حين اجتمع نائب رئيس الوزراء الإيطالى قبل أيام مع وفد من رموز وقيادات حركة السترات الصفراء انتفضت باريس وأصدرت بياناً انتقدت اللقاء واعتبرته لقاء استفزازياً، وتناست عاصمة النور والحريات أنها منحت نفسها هذا الحق فى علاقتها بالقاهرة وأنكرته على روما حليفتها فى الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلسى.
القصة وما فيها أنك تحل لنفسك ما ترفضه للغير، وتمنح لنفسك حقوقاً تُنكرها على الآخرين، لذلك لم أسمع من هؤلاء النشطاء الذين التقوا ماكرون فى القاهرة أى تعليق على هذا الموقف، وأعتقد أنهم كالعادة سيقولون «واحنا مالنا ده أمر مايخصناش».. الحاصل أن نشطاء لقاء ماكرون فى القاهرة غضبوا من انتقادات وتعليقات أطلقها البعض على هذا اللقاء الذى أثار استنكارهم واعتبروه تدخلاً فى شئوننا وتصرفاً استفزازياً غير مفهوم من الجانب الفرنسى، وأن تلبية النشطاء للدعوة مسألة مُستهجنة وتُثير شكوكاً متعددة.
رد الفعل المصرى الشعبى على اللقاء جاء متطابقاً مع رد الفعل الفرنسى على لقاء روما، لكن اللى مش مفهوم لماذا قامت باريس ولم تقعد بينما هى نفسها ترتكب نفس الفعل والتصرف والسلوك السياسى مع غيرها؟!
الشاهد أن غضب معارضى لقاء القاهرة جاء فى مكانه وموعده، وأن دوافعهم للغضب جاءت مشابهة إن لم تكن متطابقة مع ذات مشاعر الغضب والاستفزاز الفرنسى، رغم أن الموقفين فى جبهتين مختلفتين، ولا يجوز القول هنا بحرص فرنسا على الديمقراطية فى القاهرة واستنكارها لحرص روما على الديمقراطية فى فرنسا.
اللافت أن تبريرات نشطاء القاهرة انطلقت من مناطق ملتبسة ومتناقضة، فهم «نشطاء حقوقيون» إن جاز المصطلح وليسوا قادة سياسيين أو حزبيين، ولا يجوز لهم بحكم القواعد العامة فى العالم كله ممارسة دور سياسى أو حزبى أو إقحام أنفسهم فى هذا المجال، وأن لقاء بين ماكرون والحزبيين أو السياسيين المصريين ربما هو ممكن، لكن الخلط بين الحزبى والأهلى أمر مثير للشبهات وينزع عنك حقوقاً ممنوحة للمجتمع المدنى.
الواقع أنى لم أتوقع أى رد فعل من «نشطاء» لقاء السفارة الفرنسية بالقاهرة، وظنى أنهم غير مكترثين بمبادئ أو قواعد عامة قدر اهتمامهم بصراعهم السياسى وليس الحقوقى مع الدولة، لذلك لا أفهم لماذا هم غاضبون من رد الفعل ضدهم.