فى أحد المحال العامة قابلت الحاجة (....)، الحاجة هى أشهر داعيات نادى الصيد، وكنت قد كتبت عنها وعن زميلاتها فى كتابى الأول (ظاهرة الدعاة الجدد). كانت الحاجة (....) سيدة من سيدات المجتمع الراقى، وزوجها كان مسئولاً اقتصادياً فى إحدى المؤسسات الكبرى فى تسعينات القرن الماضى.. علا نجمه وتدفقت الأموال بين يديه فتزوج زيجة ثانية.. شعرت الحاجة بالإحباط، فارتدت الحجاب ثم النقاب، وتحولت إلى داعية.. ولأن الزمن وقتها كان زمن الهجرة إلى الحجاب فقد شاركها عدد كبير من صديقاتها فى نمط الحياة الجديد، وانتظم الجميع فى دروس الدعاة الجدد، وتحولن هن أنفسهن إلى داعيات.
حين قابلت الحاجة (....) لفت نظرى أنها قد خلعت الحجاب واستبدلته بغطاء الرأس الشهير الذى نعرفه باسم (البونيه)، وتركت خصلة من شعرها خارجة، لتؤكد أنها لم تعد ترتدى الحجاب. سألتها عن سبب خلعها للحجاب، فقالت كلاماً فهمت منه أن انكشاف الإخوان وسقوطهم فى ٣٠ يونيو كان سبباً لمراجعتها والكثير من زميلاتها لأنفسهن. قالت إن ابنتها أيضاً قد خلعت الحجاب، وقدمت تفسيراً دينياً هو أن الله عندما يلاحظ كثرة إعجاب الشخص بنفسه وبحسن تدينه يدفعه إلى ارتكاب خطأ ما حتى لا يغتر بنفسه.. وفى حالتها هى وابنتها فإن الله قد دفعهما لخلع الحجاب حتى لا تغترا بتدينهما أكثر من ذلك.
كانت مقابلتى للحاجة (....) فى نفس الأسبوع الذى ظهرت فيه الفنانتان شهيرة وسهير رمزى دون حجاب، وحاولت إحداهما تقديم تفسير دينى لخلعها الحجاب، وهو أنها صارت من القواعد اللاتى لا يرجون نكاحاً. وفى ظنى أن التفسير الدينى الذى قدمته الفنانة العائدة والداعية التى خلعت الحجاب هو تفسير مضلل.. التفسير الحقيقى لخلع الحجاب هو أنه أمر طبيعى.. الذى لم يكن طبيعياً هو ظاهرة تحجيب الفنانات وسيدات المجتمع الراقى التى بدأت فى ثمانينات القرن الماضى بتمويل خليجى.. وبإشراف من داعية مصرى كبير يعاونه آخرون.. والتفسير الآخر هو أن النخبة المصرية فى مجملها تميل لمجاراة التيار الرئيسى فى المجتمع والذى تطمئن إلى أنه يحظى برضا الدولة.. وقد كان التيار الرئيسى فى المجتمع زمن مبارك تياراً رجعياً وهابياً يتواطء مع الإخوان والسلفيين ويترك لهم حكم المجتمع ما داموا لا ينافسونه على مقعد الحكم.. وقد أدرك انتهازيون كثيرون ذلك فسايرو الوضع واستفادوا منه.. وعندما تغير الوضع تغيروا معه.. من الذى كان يمول حجاب الفنانات ومن هو الداعية الشهير.. وما الذى يمكن أن ترويه شهيرة إذا تحدثت؟.. هذا ما سنواصله فى المقال المقبل بإذن الله.