«إن خطورة وجود المرأة وانتمائها إلى التنظيمات المتطرفة لا تكمن فقط فى دورها فى مسألة جذب الرجال إلى الانضمام لتلك التنظيمات، كما هو منتشر بشكل جزئى، وإنما هو أن تصبح المرأة هى الحاضنة لذلك الفكر المتطرف، وذلك بالطبع بحكم تأثرها السريع، وقوة غريزة الأنوثة فى التأثير على الرجال». بتلك الكلمات كنت قد ختمت مقالى السابق، واليوم أستكمل معكم ما كنا قد بدأناه فى هذا الصدد.
وبالمصادفة، كان قد لفت نظرى وأنا أقرأ فى إحدى الصحف منذ عدة أيام الخبر الذى يقول إنه قد تم القبض فى تونس منذ فترة على سيدة عجوز تبلع من العمر ٦٣ عاماً، وذلك بتهمة تزويد إرهابيين بالمؤن بجهة تُدعَى (الكاف)، كما أن التحقيقات كانت قد أسفرت عن تسهيلها أيضاً لتنقلاتهم، إضافة إلى تورطها معهم فى قضايا أخلاقية.
ومما يثير الدهشة، على الرغم من أن ظاهرة الإرهاب بشكل عام باتت تحظَى باهتمام متزايد منذ عدة سنوات سواء من مراكز الأبحاث أو من الدارسين الأكاديميين والمتخصصين، أن الدراسات المتخصصة المتعلقة بالمرأة تحديداً وعلاقتها بالإرهاب وكيفية التحاقها بالتنظيمات الإرهابية والأدوار الخطيرة التى تمارسها داخله وخارجه فى مجتمعاتنا لا زالت تُشكِّل لغزاً، خصوصاً فى عالمنا العربى، وذلك نتيجة لقلة الأبحاث المتخصصة فى هذا الشأن، إضافة إلى تواضع العديد منها بسبب صعوبة الحصول على معلومات مدقَّقة وأرقام وإحصاءات؛ لأن هذا الأمر يتطلب الدخول إلى دهاليز تلك التنظيمات الإرهابية، والتحدث إلى العناصر النسائية التى تنتمى إليها، وتعتنق عقيدتها، وتشارك فى تنفيذ مخططاتها الدنيئة، وهذا شبه مستحيل بالطبع؛ لأنه يتطلب أيضاً السماح ممن يطلقون على أنفسهم لقب (ولى الأمر) داخل هذه الجماعات أو التنظيمات الإرهابية.
ولكن يوجد دائماً وسط العتمة نور -كما يقال- حيث وجدت وأنا أبحث فى هذا الشأن كتاباً مهماً بعنوان: (النساء والإرهاب)، اشترك فى تأليفه كل من: الدكتورة آمال قرامى، وهى أستاذة بالجامعة التونسية، ومتخصصة فى الدراسات الحضارية والفكر الإسلامى، والكاتبة الصحفية منة العرفاوى، والبحث يُعَدُّ مميزاً جداً، ومرجعاً مهماً فى العالم العربى لقضية الإرهاب عموماً، وعلاقة النساء به خصوصاً؛ حيث يتناول هذا الكتاب دراسة علمية لفهم مقاربة النوع الاجتماعى.
ولعل أروع ما وقع بعد ٥٤٠ صفحة -بالنسبة لى- هو تلك المحاولة العربية الجادة لإلقاء الضوء على زاوية شبه معتمة تماماً فى مسألة علاقة النساء بالتنظيمات الإرهابية وأنماط حضورهن، والتى غالباً ما تناولتها أقلام غير عربية وغير معايشة للواقع العربى بتفاصيله الكثيرة جداً، ولعل -أيضاً- التزاوج أو الخلط بين الناحية الأكاديمية الملتزمة بالمعايير والتدقيق فى استخدام النظريات والمصطلحات، والعين الصحفية التى تستقصى الخبر من خلال الاحتكاك المباشر بالأشخاص وبالأحداث، جعلا فى النهاية المحصلة ثرية جداً.
ولحديثنا بقية...