المستشار الدكتور محمد خفاجى شخصية قضائية تتميز بالقدرة على مواكبة المستجدات التكنولوجية والإدراك الكامل للدور المجتمعى للقاضى، وأثناء رئاسته إحدى دوائر محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ، أصدر العديد من الأحكام التى تستحق أن يتم إلقاء الضوء عليها والإشادة بما تضمنته من مبادئ مستحدثة، ومن بينها الحكم الخاص بالتقاضى الإلكترونى، وتعود وقائع هذا الحكم إلى الثانى من فبراير 2007م، حيث أقام أحد الموظفين دعواه، مرسلاً إياها بالبريد السريع الدولى، مرفقاً بها صورة حوالة بريدية بثلاثمائة جنيه لسداد رسوم الدعوى، طالباً إلغاء القرار الإدارى بحرمانه من مقابل الجهود غير العادية، ثم قام المدعى بإرسال مظروفين آخرين بالبريد السريع الدولى، طالباً فيهما بصفة مستعجلة بصرف حوافز شهور ديسمبر 2004م ويناير وديسمبر 2005م وإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا له نصف مليون جنيه تعويضاً له عما لحقه من أضرار، وقد وردت الدعوى إلى المحكمة وتأشر على أحد محاضرها بأنها مرفوعة بغير الطريق القانونى (مرسلة بالبريد)، لذا لم يتم التأشير عليها بالقيد بالمحكمة.
وقد نظرت المحكمة الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة العاشر من مارس 2014م، أصدرت حكمها بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون، مستندة فى حكمها على نصوص المواد 63، 65، 67، 72 من قانون المرافعات المدنية والتجارية لسنة 1968م والمادة 25 من قانون مجلس الدولة لسنة 1972م وعلى ما جرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا أن الخصومة القضائية إنما هى حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى بالادعاء لدى القضاء أى بالالتجاء إليه بوسيلة الدعوى، وقد حدد القانون إجراءات التقدم بالادعاء الذى ينبنى عليه انعقاد الخصومة، وهى التى تقوم على اتصال الدعوى بالمحكمة المرفوعة أمامها وتكليف المدعى عليه بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وعلاقة بين هذين الطرفين وبين القضاء من جهة أخرى، وترتيباً على ما تقدم، ومتى كان الثابت بالأوراق أن المدعى أرسل الدعوى بالبريد السريع الدولى فى أربعة مظاريف بلاستيكية بالمخالفة للقانون، وبدون أن يودعها بصحيفة قلم كتاب المحكمة وفقاً للقانون، لذا يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون.
ورغم رفض الدعوى، فقد حرصت المحكمة على تنبيه المشرع إلى «النظر لتقرير التقاضى الإلكترونى أو التقاضى عن بعد فى عصر يتسم بالتقدم التقنى أن يعتمد على نقل مستندات التقاضى إلكترونياً إلى المحكمة المختصة عبر البريد الإلكترونى، إذ تفحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص ليتم قبولها أو رفضها وإرسال إشعار إلى المتقاضى يحيطه علماً بذلك، ومن ثم فإن تكنولوجيا العصر تعرف ما يسمى بالمحاكم الإلكترونية وذلك كوسيلة للقضاء على بطء إجراءات التقاضى والتيسير على المتقاضين من التنقل على المحاكم ما لم يتم استدعاؤهم من المحكمة، كما يحول دون ازدحام المحاكم بهم، على أنه إذا كان المشرع المصرى قد أخذ بهذه التقنية فى مجال التوقيع الإلكترونى بموجب القانون رقم 15 لسنة 2004، فإن المشرع يجب أن يعلم أن التطور التقنى للمحاكم، وهى الجزء الحيوى من العملية القضائية، أمر لا مفر منه تسايراً مع النظم المعلوماتية الحديثة فى العلم القضائى لملاحقة التطور العالمى الذى طرأ على المحاكم الإلكترونية بديلاً عن المحاكم التقليدية، خاصة أن السلطة القضائية تزخر بأعضاء يجيدون أصول التقاضى الإلكترونى».
إن «التقاضى عن بعد» غدا ضرورة ملحة، وقد بادرت العديد من الدول إلى تحديث تشريعاتها الإجرائية بما يتناسب مع ضرورات العصر الذى نعيش فيه، ومن ثم نجد من المناسب الانضمام إلى محكمة القضاء الإدارى فى دعوتها للمشرع إلى تنظيم التقاضى الإلكترونى.. والله من وراء القصد.