السنوات السبع لـ«خليفة» «معلم الأجيال»
البابا تواضروس الثانى بعد تنصيبه خلفاً للبابا شنودة
فى الثامن عشر من نوفمبر 2012، ورث البابا تواضروس الثانى، تركة البابا شنودة الثالث الذى لقب بـ«معلم الأجيال»، بعد أن جلس على كرسى مارمرقس الرسولى ليكون البطريرك الـ118 فى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
"تواضروس الثانى" البطريرك الـ118 نظم الكنيسة وأزال شوائب الرهبنة وفكك ألغام الأحوال الشخصية.. وأقر أول قانون لبناء الكنائس فى تاريخ مصر ليقضى على ميراث طويل من الفتن الطائفية
ورغم مرور 7 سنوات على رحيل البابا شنودة، إلا أن أنصاره يخرجونه من القبر فى كل موقف أو قرار يتخذه البابا تواضروس فى أمر يخص الكنيسة أو الأقباط، ويعقدون تلك المقارنة الظالمة للبطريرك الـ118، مع البابا شنودة فى ظل أن الأول ليس له إلا بضع سنوات على الكرسى البابوى، مقابل أكثر من 40 عاماً للبابا الراحل على الكرسى البابوى، وقبلها أكثر من 10 سنوات داخل المقر البابوى سكرتيراً للبابا كيرلس السادس، أو أسقفاً عاماً للتعليم، لكن البابا تواضروس، منذ اليوم الأول له على الكرسى البابوى حدد أولويات عمله داخل الكنيسة، محاولاً التعامل مع تركة البابا الراحل، وتفكيك الألغام التى تركت فى طريقه، لتمهيد الأرض لعصر جديد فى تاريخ الكنيسة التى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ المسيحى والمصرى.
- 1 تنظيم الكنيسة:-
كان أول ملف يوليه البابا أهمية هو عملية تنظيم الكنيسة، وإدخالها عصر المؤسسية، فأخرج اللوائح التى تنظم كل شىء فى الكنيسة من أول تعديل لائحة انتخاب البطريرك الصادرة عام 1957 لتواكب العصر الحالى، وتوسع المشاركة المجتمعية فى عملية اختيار البابا، مروراً بلائحة اختيار الأساقفة، وتنظيم شئون الكهنة ومجالس الكنائس التى أدخل فيها لأول مرة الشباب والمرأة، وصولاً للائحة المكرسين، ولائحة الرهبنة وتدبير شئون الأديرة.
وأخذ البابا على عاتقه، التوسع بالكنيسة القبطية وتمددها فى قارات العالم السبع، فلأول مرة تفتتح كنيسة فى اليابان، ولأول مرة يكرم البابا فى روسيا، ولأول مرة تتوسع الكنيسة فى أفريقيا لتصل لدول مثل «مالاوى، وتوجو، والجابون، وأوغندا».
وداخلياً، عمد البابا إلى تقسيم الإيبارشيات الكبيرة إلى إيبارشيات صغيرة لحسن الرعاية والتدبير الرعوى، فتم لأول مرة تقسيم الإسكندرية لأربعة قطاعات، وتقسيم القاهرة إلى 12 منطقة رعوية عليها أساقفة عموم يساعدون البابا فى إدارتها.
- 2 الأساقفة المستبعدون:-
كان هذا الملف هو الثانى فى أولويات البابا، فقرر البابا تشكيل لجنة من المجمع المقدس برئاسة الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة، لدراسة عودة الأساقفة المستبعدين فى عهد البابا شنودة الثالث، وهم: الأنبا تكلا أسقف دشنا، والأنبا أمونيوس، أسقف الأقصر، والأنبا متياس، أسقف المحلة الكبرى. وتضم اللجنة فى عضويتها الأنبا هدرا مطران أسوان، والأنبا ساويرس، أسقف ورئيس الدير المحرق، والأنبا بيمن أسقف دشنا وقوص، والأنبا يوسف أسقف جنوبى أمريكا.
وأسفرت اجتماعات اللجنة عن قرار بعودة الأنبا تكلا إلى دشنا، وسبق تلك اللجنة قرارات بعودة الأنبا إيساك كأسقف عام مساعد للأنبا باخوميوس، والأنبا دانيال أسقف سيدنى إلى إيبارشيته، فيما لم يتم الموافقة على عودة الأنبا متياس أسقف المحلة والأنبا أمونيوس أسقف الأقصر.
- 3 الرهبنة والأديرة:-
تعد الرهبنة والأديرة عصب الحياة الكنسية، فالأديرة هى مصانع إنتاج رجال الكنيسة، التى قال عنها البابا تواضروس: «نريد أن تظل الأديرة واحات صلاة وعبادة دون انشغال بالعالم، إلا بما تتطلبه الضرورة»، وبرر خطواته فى معالجة هذا الملف بالقول: «لتنقية اللوحة الرهبانية الجميلة من كل شائبة تسللت فى غفلة من الزمان».
فنظم البابا وشارك فى عشرات المؤتمرات التى أقامتها الكنيسة للرهبان والراهبات فى كل الأديرة القبطية، التى شهدت مناقشات حول «أساسيات الرهبنة وفضائلها، والتحديات التى تواجه الرهبان، ونذر الرهبنة والطاعة الشكلية والعملية.. وغيرها»، كما أصدر لائحتين لتنظيم شئون الرهبنة والأديرة، كما عمل على الاعتراف وتقنين 11 ديراً قبطياً منذ 2013 وحتى 2018، عبر المجمع المقدس للكنيسة، كان منها الاعتراف بأول دير للراهبات فى أوروبا وهو دير مارجرجس بأيرلندا، واتخذ العديد من القرارات لضبط الأديرة والرهبنة أبرزها القرارات التى صدرت عقب مقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير أبومقار، والتى شملت معالجة أخطاء الماضى وأبرزها: «وقف قبول طالبى الرهبنة لمدة عام، ووقف منح الرتب الكهنوتية للرهبان لمدة 3 سنوات، وتجريد الكهنة والرهبان الذين أنشأوا أماكن كأديرة دون موافقة الكنيسة، وعدم بناء أديرة جديدة، وتحديد عدد الرهبان فى كل دير، وعدم السماح بظهور الرهبان إعلامياً أو التورط فى أى معاملات مالية أو مشروعات أو الخروج من الدير، وإغلاق صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بالرهبان، ومناشدة الأقباط عدم تقديم أى تبرعات للرهبان، وتفعيل اللوائح الرهبانية التى صدرت عن المجمع المقدس».
- 4 الأحوال الشخصية:-
«إحساس قاسٍ أن أسمع من أحد (الكنيسة ظلمتنى)»، كان ذلك توجه البابا تواضروس لحل مشكلة الأحوال الشخصية للأقباط التى تأزمت مع تعديلات البابا شنودة عام 2008 التى أدخلت على لائحة 1937، فعقد البابا العديد من المؤتمرات لمناقشة الأمر، والتى خلصت إلى عدة إجراءات لمعالجة القضية المزمنة منها تطبيق كورسات المشورة الأسرية الإجبارية، والكشف الطبى قبل الزواج، وتقسيم المجلس الإكليريكى العام إلى 6 مجالس إقليمية، وتغيير أعضاء المجالس الإكليريكية كل 3 سنوات، وتشكيل مجلس أعلى للأحوال الشخصية، وعودة فتح ملف قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين، وإقرار لائحة جديدة للأحوال الشخصية تم إقرارها بالمجمع المقدس وتطبيقها داخل الكنيسة.
- 5 العلاقة مع الآخر:-
بنى البابا تواضروس على ما أسسه البابا شنودة فى التعامل وقبول الآخر، فعزز العلاقة مع الأزهر الشريف عبر ما يسمى «بيت العائلة المصرية»، ورفع البابا شعار «المحبة لا تسقط أبداً»، فى تعامله مع المسلمين والطوائف الأخرى من المسيحيين، فكانت زيارته لتهنئة رؤساء الطوائف المسيحية بأعيادهم ومناسباتهم قدوة فى التعامل وتعزيز المحبة وخطوة نحو الوحدة، كما جاءت خطوة تشكيل مجلس كنائس مصر، الذى اضطلع بدور كبير فى هذا الشأن، كما وطد العلاقات مع الفاتيكان، وكنائس الروم الأرثوذكس، وكانت زيارته التاريخية للقاء البابا فرنسيس، وبطريرك إثيوبيا، وبطريرك روسيا، وغيرهم، لتدفع فى هذا المجال، رغم هجوم البعض عليه واتهامه بالتفريط فى الإيمان الأرثوذكسى، مهاجمين خطواته، رغم أنه فعلها من قبله البابا شنودة إلا أن البابا تواضروس عمل على تعزيزها.
- 6 العلاقة مع الدولة:-
40 عاماً جلس فيها البابا شنودة على الكرسى البابوى، كان أول عقد منها توترات فى علاقة الكنيسة مع الدولة ومرحلة صدام انتهت بعزل البابا، فيما تحولت الكنيسة لوسيط بين الدولة والأقباط وأصبحت المتحكم باسمهم فى عهد مبارك، إلا أن البابا الذى ورث الكنيسة عقب ثورة 25 يناير، كان الشارع هو طريق الأقباط الذين خرجوا من أسوار الكنيسة، ورغم محاولات البابا التعامل بدبلوماسية مع الدولة فور وصوله للكرسى البابوى الذى كان يحكم مصير البلاد فى ذلك الوقت جماعة الإخوان الإرهابية، إلا أنه لم تمر ثمانية شهور على جلوسه ليتصدر المشهد السياسى ببيان عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى ويشارك فى ثورة 30 يونيو 2013، وتتحول الكنيسة لمؤسسة اجتماعية وأحد أعمدة الدولة المصرية الحديثة نحو انطلاقها للمستقبل، فكان البابا داعماً ومسانداً لخطوات الدولة، ومفوتاً الفرصة تلو الأخرى على الجماعات الإرهابية التى حاولت إثارة الفتن الطائفية وزعزعة استقرار البلاد، حتى إن أثار ذلك سخط الأقباط عليه لبعض الوقت.
كما أسفرت علاقة الكنيسة مع الدولة عن خروج أول قانون لبناء الكنائس فى تاريخ مصر، ليقضى على ميراث طويل من الفتن الطائفية سببها هذا الملف.