كان «إسماعيل» حاكماً مختلفاً عن كل من سبقوه، لكنه لم ينجُ من شرر المملوكية. فقد ورث عن عصر المماليك أفكار «الفِرضَة» و«المعلوم» وغيرهما من الأدوات التى اعتمد عليها حكام الفترة المملوكية فى تمويل خزائنهم. اهتم «إسماعيل» بالعديد من المشروعات التنموية التى كان لها، ولا شك، صدى على أوضاع البلاد، لكنه كان مغرماً بالاحتفاليات عند افتتاح أى مشروع منها أو إقامة أعراس أولاده، بالإضافة إلى ما كان ينفقه على الباب العالى من أجل الحصول على الفرمانات التى تجعل وراثة العرش فى ذريته، وتستبعد من عداهم من أسرة محمد على. ناهيك عما أنفقه فى حروبه فى أفريقيا، خصوصاً الحرب التى خاضها ضد الأحباش.
ضوائق اقتصادية عديدة واجهها الخديو إسماعيل كان يعالجها باستمرار من خلال الأسلوب المملوكى القائم على فرض الضرائب والاستدانة. يقول صاحب كتاب «الكافى فى تاريخ مصر»: «وكان إذا نضب الإيراد، وأمحلت الخزينة، وعزّ الدرهم، عمد إلى الاستدانة وضرب المغارم وتكثير المكوس وفرض الفرض على البلاد شرقاً وغرباً وإعادة أشكال المكوس الغريبة التى كانت على عهد ملوك الجراكسة (الدولة المملوكية الثالثة)، وما زال على هذه الحال من السرف والإرغال، وأصحاب الأموال تطاوله، وهو يمنيهم بالأمانى». كان الإسراف عيباً قاتلاً فى شخص «إسماعيل»، رغم أنه كان بنّاءً عظيماً أضاف إلى مصر فى عهده الكثير، لكنه ورث أخطر صفات الشخصية المملوكية، فغلب عليه الطابع الاحتفالى، وكان لديه ولع بمظاهر الأبهة والعظمة، وفعل كل ما من شأنه تخليد اسمه، تماماً مثلما كان المماليك يفعلون.
فى عصور المماليك لم يكن هناك حدّ واضح فاصل بين مال الدولة ومال الأمير أو السلطان. والواضح من تجربة الخديو إسماعيل أنه تأثر نسبياً بهذا التوجّه المملوكى فى طريقة تصرفه فى أموال البلاد، ودعم من ذلك خطاباً دينياً مملوكياً يجعل مما ملكت أيدى الرعية ملكاً خالصاً للوالى، لم يتردد «إسماعيل» فى استدعائه عندما ادلهمت الأوضاع الاقتصادية للبلاد، مما دفعه إلى فرض المزيد من المغارم على أهلها. يذكر بعض المؤرخين أن وزير (أو ناظر) مالية الخديو «إسماعيل صديق» أشار عليه باستدعاء الخطاب الدينى فى مواجهة المطلب الإنجليزى الفرنسى بفرض رقابة مالية على مصر، وخلق رأى عام مصرى يتحلق حول فكرة أن القرآن الكريم يرفض الربا من أجل الضغط على الأجنبى بتقليل الفوائد على الديون، وفى الوقت نفسه حشد الرعية وراء فكرة تقضى بقبول المزيد من الضرائب لمواجهة المشكلة الاقتصادية التى تمر بها البلاد. وعندما ناقش «صديق» هذا الطرح مع المشايخ جاء وفد منهم إلى الخديو، فطلب منهم الأخير رأيهم فى ما يقوله وزير المالية، فردوا عليه، قائلين: «إن الأموال أموال سموكم، وإننا جميعاً بمالنا ونسائنا وأولادنا عبيد لسموكم، والعبد وما ملكت يداه لمولاه».