من الآن وحتى انتهاء عملية الاستفتاء على الدستور، ستتصاعد أصوات البوم الناعق لتزييف وعى المصريين، بتحريضهم على مقاطعة الاستفتاء، بدأها فلول الإخوان متوهمين استمرار قدرتهم على التأثير، ولحقهم كعادته محمد البرادعى، ذلك اللقيط السياسى الذى استهوته السياسة بعد التقاعد، بتغريداته على تويتر، والتى لا يملك غيرها، ومعهم بعض «النشتاء»، الأفراد، ممن لا ينتمون إلى فصيل سياسى محدد وواضح.
قد نجد تفسيراً لنعيق هؤلاء من غل.. حقد.. مكايدة.. غباء، قل ما تشاء، ولكن ما يحيرنى هو تورط بعض الأحزاب فى الدعوة للمقاطعة، رغم مشاركة قياداتها فى الحوار المجتمعى الذى أداره البرلمان حول مشروع التعديلات المقترحة، ويحسب للبرلمان هذه المرة تطويره لبعض النصوص تجاوباً مع ما تم من مناقشات، ومن بينها المادة 140 المتعلقة بمدة رئاسة الجمهورية والتى أقرها وفقاً للنص المقترح من حزب التجمع.
وبالمناسبة شارك أيضاً فى هذه الجلسات عدد كبير من المفكرين وأساتذة الجامعات والخبراء، ورجال السياسة والقانون والقضاء، وممثلى أجهزة الدولة ورؤساء الجامعات والمجالس القومية، والمؤسسات الإعلامية، والنقابات المهنية والعمالية، وقادة الأحزاب السياسية وغيرهم من الشخصيات العامة وممثلى فئات المجتمع المختلفة. وتكون جلسات الاستماع مفتوحة أمام جميع وسائل الإعلام وأمام مشاركة من يرغب من المواطنين والجهات الرسمية وغير الرسمية.
الأفراد من «النشتاء» ليس لديهم ما يخسرونه سياسياً من وراء الدعوة للمقاطعة، ولعل بعضهم يسعى للربح فى صورة تمويل خارجى صريح -مشبوه بطبيعة الحال- أو بالتحايل فى صورة جائزة مالية من منظمة أجنبية، وتبقى مشكلة الأحزاب التى لا تعى الأثر المباشر لتحريض الجماهير على ذلك الفعل السلبى، المثير أن الأحزاب جميعها تعانى من عزوف الناس عن الانضمام إليها، وفى الوقت نفسه تكرس عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية، فى حدث مهم مثل تعديل الدستور.
المشاركة السياسية يا سادة يا كرام فى أبسط تعريف لها، هى عملية التمهيد والانتقال التدريجى من بنية معينة فى الحكم وإدارة شئون السلطة والبلاد إلى بنية أخرى، تقوم على التعددية الشاملة سياسياً وحزبياً، فى سياق توافق وطنى عام تتشارك فيه كافة الفئات والأيديولوجيات.
المشاركة السياسية هى نشاط سياسى يرمز إلى مساهمة المواطنين ودورهم فى إطار النظام السياسى. بقصد التأثير فى عملية صنع القرار، وهنا يشعر المواطن العادى بأن الدولة والشئون العامة والقرارات السياسية ترتبط بحياته ووجوده الذاتى تأثيراً وتأثراً.. ولا شك فى أن العلاقة السوية بين المجتمع والدولة، تنطوى على قدر كبير من المشاركة السياسية للمواطنين وتنظيماتهم غير الحكومية (على رأسها الأحزاب) فى اتخاذ القرار.
جاء فى تقرير اللجنة الدستورية والتشريعية فى مجلس النواب: «ومن المقرر أن الدستور وثيقة سياسية وقانونية، تبين شكل الدولة ومقوماتها الأساسية، ونظام الحكم فيها، وعلاقة السلطات التى تتكون منها مع بعضها البعض، والحقوق والحريات والواجبات العامة وهى الوثيقة الأسمى فى مدارج الإلزام القانونى، وتعبر عن شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويعتبر تعديل الدستور من أهم وأعظم الأعمال التى يقوم بها البرلمان، ولا يضاهى هذا العمل فى أهميته أى عمل آخر من الأعمال البرلمانية».
وجاء فى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 3 أكتوبر 1998 فى القضية رقم 1 لسنة 19 ق: «أن الدستور وثيقة نابضة بالحياة لا ترتبط مفاهيمها بلحظة زمنية محددة، وإنما تتفاعل مع عصرها وفق القيم التى ارتضتها الجماعة، تحدد على ضوئها مظاهر سلوكها، وضوابط حركتها، آخذة فى اعتبارها الرؤية الأعمق لحقوق الإنسان».
وفى حكم آخر صادر فى أول فبراير 1997 فى القضية رقم 7 لسنة 16 ق قالت المحكمة الدستورية أيضاً: «الدستور وثيقة تقدمية لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة، فلا يكون نسيجها إلا تناغماً مع روح العصر وما يكون كافلاً للتقدم فى مرحلة بذاتها، يكون حرياً بالاتباع بما لا يناقض أحكاماً تضمنها الدستور».
لا أعتقد أن الداعين للمقاطعة على وعى تام بمعنى وضرورة وأهمية المشاركة السياسية بالنسبة لهم ولأحزابهم ولمستقبلهم السياسى، وإن كانوا على وعى ويصرون على دعوتهم فلا يلومون إلا أنفسهم، ولا يلوموننا إن فتشنا فى نواياهم، ولا ينتظرون من المواطنين ممن سيشاركون فى الاستفتاء إلا مزيداً من المقاطعة لهم ولأحزابهم.