انتشار مرض القلب فى الأسر سبّب حالة من القلق فى نفوس كثير من الشباب والشابات، وبدأت تحدث شكوى من نغز فى منطقة القلب، خصوصاً الفتيات فى سن المراهقة أو الزواج الحديث. يكون الألم مصحوباً بسرعة فى ضربات القلب، ويتعرض هؤلاء الشباب لتشخيص غير موفق من الأطباء الشبان وأطباء الرعاية الطبية الأساسية. وبدلاً من بعث الطمأنينة فى نفوس هؤلاء الشاكين يزداد القلق عندما يذكر الطبيب أنهم فى حاجة إلى قسطرة القلب لتسليك الشرايين. وأنا وغيرى من الزملاء نسعى لإقناع هؤلاء الشاكين أن ألم القلب له مواصفات مهمة قبل تشخيص علامة النغز بالقلب.
أولاً: لا يوجد سبب لذلك لأن المرض فى حاجة إلى سبب أو محفز.. التدخين، السكر، الضغط، زيادة الوزن، ونادراً حالات زيادة الدهون (الكوليسترول والأحماض الثلاثية).
ثانياً: لا علامة بالألم بالمجهود، فألم القلب يظهر من المجهود ويختفى مع الراحة.
ثالثاً: الذين يشكون يزاولون عملهم بصورة طبيعية.. المشى ساعة أو أكثر، طلوع ثلاثة أدوار سلم، الحالة تزيد من الانفعال.
رابعاً: معظم هذه الحالات نتيجة وجود ما يسمى بانزلاق أو ارتخاء فى صمام الميترالى، وهو الصمام بين الأذين الأيسر والبطين الأيسر، وله شرافتان: شرافة أمامية وشرافة خلفية، وعندما يفتح الصمام يفتح على مصراعين حتى يسمح بمرور الدم العائد من الرئتين بعد تنظيفه من ثانى أكسيد الكربون وإضافة الأكسجين بدون إعاقة، ثم البطين الأيسر وهو يمثل حامل أثقال القلب، حيث يدفع الدم فى الشرايين وتفرعاتها حتى يصل إلى كل بقعة فى جسم الإنسان، وهو مصدر الطاقة ومحرك الأعضاء ومنبه المخ وحامى القلب.
وعند انقباض البطين لدفع الدم يتم إغلاق شرّافتى الصمام وتلتقيان فى مستوى فتحة الصمام وهما مربوطتان بأوتار فى جوار البطين حتى لا تنزلق الشرافة ويحدث الارتجاع.
فى بعض الأحيان لا تتقابل الشرافتان فى مستوى فتحة الصمام، ولكن تلتقيان فى مستوى بعد ذلك، ويؤدى هذا إلى الشد على الأوتار المثبتة للشرافتين، ويحدث نغز فى الصدر، ويتكرر ذلك عند الانفعال أو الخوف. وهذه الحالة موجودة فى 30% من المرضى، خصوصاً من الفتيات والسيدات، وخصوصاً أصحاب النفوس القلقة والتى لم توفق فى الزواج، أو مع الانتقال من مرحلة الشباب إلى مرحلة المسئولية من الزواج. ولا يشكو من هذه الحالات والنغز والألم والقلق سوى قلة من المرضى وهم فى حالة تحتاج لطبيب حاذق يشخص الحالة ويقضى بعض الوقت فى فحص المريض والتأكد من عدم وجود مسبب لمرض القلب والاستماع بالسماعة لصوت الصمام المنزلق، والذى يمكن تشخيصه فى أغلب الحالات بالفحص فقط، ويبقى البعض فى حاجة إلى الموجات فوق الصوتية وليس القسطرة.
تأتى المريضة تشكو وتذكر أن أحد الأطباء ذكر لها أنها فى حاجة إلى قسطرة القلب لتسليك الشرايين، وتظل هذه الدعوة عالقة بتفكيرها وتحتاج إلى جهد كبير للإقناع بغير ذلك. المشكلة أن جهاز قسطرة القلب، وهو يتكلف عدة ملايين من الجنيهات، أصبح منتشراً فى جميع أنحاء الوطن، وأصبح استثماراً اقتصادياً للأطباء. وعند وجود القسطرة ووجود من يستطيع استخدامها، يبقى تجنيد المرضى ودفع التكلفة العالية فى بعض الأحيان وإيجاد شبكة من الأطباء المتعاونين، بمقابل مادى أو غير ذلك، فى إرسال المرضى لدفع عدة آلاف من الجنيهات فى القسطرة، وهناك حالات لا تستحق القسطرة، حيث إن الأعراض قليلة وتزول بالعلاج الدوائى وبتنظيم الحياة والامتناع عن التدخين وعلاج السكر والضغط. وتأتى مشكلة الدعامة، وهى جهاز معدنى صغير يدخل عن طريق القسطرة لمساعدة جدار الشريان بعد توسيع الضيق بالبالون، وهذا اختراع تم على يد طبيب سويسرى فى أوائل السبعينات، وأصبح اليوم تابعاً مهماً لإجراء القسطرة، عندما يكتشف الطبيب وجود ضيق فى شريان أو أكثر وفى موقع مناسب يقوم بعمل التوسيع باستخدام القسطرة البالونية ووضع الدعامة فيها. الدعامة العادية تتكلف عدة آلاف، والدعامة الذكية المغطاة بأدوية تقاوم ترسب المواد حول الدعامة تكلف عشرات الألوف من الجنيهات. عندما نكتشف ضيقاً فى أحد الشرايين بعد إجراء القسطرة فإن التصرف العلمى السليم يكون بتوسيع الضيق ووضع الدعامة، وإذا كان الضيق أكثر من 70%، والمستحسن أن تكون الدعامة دوائية. فى حالات معينة مثل مريض السكر أو وجود الضيق فى منطقة حرجة بعض الأطباء المتعجلين للعائد الاقتصادى يجد الشريان ضيقاً بنسبة 50% فيقوم بالتوسيع، والمنطق يقول إن الشريان الواسع أفضل من الشريان الذى به ضيق حتى لو 20%، والتفسير العلمى هو أن الشريان يمكن أن يضيق بنسبة 60% ويظل يؤدى دوره فى وصول الأكسجين والغذاء لعضلة القلب بدون أى مشاكل، ويمكن المحافظة على هذا الشريان ومنع زيادة الضيق باستخدام الوسائل العلاجية المتاحة، سواء بتنظيم الحياة ومنع مسببات المرض، وباستخدام أدوية ناجحة فى هذا السبيل. الشىء المهم هو أن توسيع الشريان الذى به ضيق غير حرج يساهم فى عدم الاستقرار، حيث يتم تكسير البطانة للشريان بالبالون ووضع الدعامة وهو جهاز غريب على الشريان، وبالتالى يسرع فى ترسيب الصفائح الدموية ومركبات الدهون والكالسيوم حول الدعامة ويسرع فى تفاقم الضيق، وكثير من الدعامات تقفل بعد عام أو اثنين، بينما يمكن الحفاظ على الشريان فى هذه الحالة المتكافئة لفترة سنوات باستخدام الوسائل الطبية وغير المكلفة.
ولهذا فى وزارة الصحة معظم الحالات المتأخرة لقوائم الانتظار هى قسطرة القلب، ويبلغ العدد عدة آلاف، بينما المراكز المتخصصة فى الدولة مثل معهد القلب أو قسم القلب بجامعة عين شمس تعمل فيها حجرة القسطرة بما يزيد على 12 ساعة يومياً، وعدد المرضى قد يصل إلى 40 حالة يومياً، بعدها قسطرة فقط، وقد تكون طبيعية، وبعدها فى حاجة لدعامة ولا توجد أسرّة لبقاء المريض 24 ساعة كما هو متبع فى الحالات السابقة، ولكن يرسل المريض إلى منزله بعد انتهاء القسطرة بعدة ساعات.
نطالب المراكز الحكومية وهيئة التأمين الصحى بالأرقام حول الحالات التى تتم فيها القسطرة، كم حالة كانت طبيعية، ولماذا تم عمل القسطرة، كم حالة تم عمل توسيع ودعامة وكم حالة كان فيها احتياج لذلك، وما هى الإجراءات التى ستقوم بها وزارة الصحة لتقليل الفاقد وتحسين العائد من هذه الخدمة المتميزة؟ وفى رأيى ورأى الكثيرين ممن يهتمون بالصحة العامة ضرورى أن يوازى الإنفاق على الصحة العامة العائد من هذا الإنفاق، حيث إن الإنفاق يصبح بطبيعته محدوداً نسبياً، ولا يمكن لأى دولة أن تحقق الإشباع الكامل لاحتياجات الصحة، وبعضها يتطلب إنفاقاً هائلاً فى مقابل عائد قليل.
فى رأيى نحن فى حاجة إلى بروتوكول طبى يوافق عليه أساتذة القلب عن متى تجرى قسطرة القلب ومتى يتم إجراء العمليات الجراحية. وهذا ما تتبعه شركات التأمين الأمريكية، حيث حدث نفس التلاعب بقضايا الشرايين، وسوء استخدام وسائل الفحص والتدخل الطبى، بضرورة عرض المريض على لجنة ثلاثية بها جرّاح وطبيب قلب غير مشارك فى إجراءات القسطرة، لتقرير التدخل المطلوب بشكل علمى وبدون مبالغة والحفاظ على المال العام.
زملائى الأطباء، أرجو أن يكون قسَم الأطباء فى بالكم عند فحص أى مريض، أرجو التأكيد على أن تحويل المرضى لأطباء بعينهم نظير نسبة مادية أو غير ذلك هو مخالفة للائحة آداب المهنة ويجب أن يتوقف فوراً، وأن تتخذ نقابة الأطباء ما تراه من إجراءات لإيقاف هذا الوضع الكريه الذى لا يليق بقداسة المهنة وما يتوقعه المواطنون من الأداء القريب جداً من الله سبحانه وتعالى.. وكل عام وأنتم بخير.