اللواء حمدى راشد «عليه رحمة الله» كان رجلاً محترماً ومنضبطاً، وكنت أعتز بصداقته وتعلمت منه الكثير، وكانت نصحيته الغالية «أن أكون جباناً ولا أكون منافقاً» فسألته مندهشاً، كيف؟ أجاب لا تتطوع للنفاق وإن لم تستطع قَوْلَ الحق فلتصمت ولا تسارع بقول الباطل، وإذا خُيّرت بين النفاق والجُبن اختر الثانية لأنه أقل خطورة من النفاق.
حاولت طوال حياتى العملية الالتزام بهذا المبدأ، وإن لم أستطع قول الحق فلا أتطوع إطلاقاً للنفاق، عملت مع مسئولين كثيرين فى مجالات مختلفة اجتهدت فى قول الصدق والنصيحة المخلصة بصرف النظر عن العواقب، وللأمانة الذين تعاملت معهم يقدّرون ذلك ويحترمون الشخص الأمين ولا يثقون فى المنافقين، لأن ضررهم أكبر من نفعهم، وسرعان ما ينقلبون فور زوال المنصب.
أعلم أن النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربى، وبعض المسئولين تسعدهم كلمات الإطراء وقصائد المديح وتضيق صدورهم بالنقد والنصيحة، ولكن هؤلاء قلة وقدراتهم ضعيفة ولا يثقون فى أنفسهم، وبالتالى يجمعون حولهم المنافقين والضعفاء ويستبعدون الأكْفَاء خوفاً على مناصبهم، ولكن غالبية المسئولين يكرهون النفاق ويحتاجون للنصيحة المخلصة. الكلمة مسئولية وأمانة وبلدنا حالياً فى ظروف صعبة تحتاج الإخلاص فى العمل والكلمة، وهنا يحضرنى حوار مهم حول أمانة الكلمة بين الحسين بن على «رضى الله عنه» والوليد «حاكم المدينة المنورة» يطلب من الحسين مبايعة يزيد ابن عبدالملك للخلافة، ولكن الحسين رافض البيعة وغير مقتنع أن يكون يزيد خليفة للمسلمين، فقال الوليد للحسين يا ابن بنت رسول الله البيعة مجرد كلمة تقولها، إن هى إلا كلمة، نحن لا نطلب إلا كلمة.. فلتقل «بايعت» ما أيسرها قُلها واذهب بسلام، إن هى إلا كلمة.. رد عليه الحسين: «كلمة» هل تعلم معنى «الكلمة» وهل البيعة إلا كلمة.. ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة… ما شرف الله سوى كلمة… أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة فى كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة لو تعرف حرمة زاد مذكور، الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى.. الكلمة فرقان بين نبى وبغى.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.. عيسى ما كان سوى كلمة.. أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم.. الكلمة زلزلت الظالم.. الكلمة حصن الحرية.. إن الكلمة مسئولية.. إن الرجل هو كلمة.. شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة.
هذا الحوار نقله لنا الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى فى مسرحية «الحسين ثائراً» وقصيدة شرف الكلمة، أتمنى أن يتدبر الجميع أهمية الكلمة والنصيحة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم».. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول فى حديثه الشريف «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت»، أى إن الصمت أفضل من النفاق أو إيذاء البشر بالكلمة، ليس شرطاً أن تكون نصائحنا صحيحة (نحن بشر نخطئ ونصيب)، ولكن يجب أن تكون صادقة ومخلصة لله وللوطن وللصالح العام وبدون مصلحة شخصية، وتحيا مصر بالكلمة الصادقة والنصيحة المخلصة.