تعليقاً على سلسلة المقالات عن «تمكين المرأة»، وردت إلىّ رسالة عبر الواتس آب من أحد الأصدقاء الأعزاء فى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو المستشار يوسف سعيد الكويتى مدير إدارة الشئون القانونية فى دائرة التخطيط العمرانى والبلديات بإمارة أبوظبى، وفحوى هذه الرسالة كما يلى: «سوف ترجع بعد عشر سنين، بل خمس سنين فقط، وستكتب مقالاً عن تمكين الرجل». وقد يستغرب القارئ العزيز وجود «حركة حقوق الرجل» (Men’s rights movement) فى الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هنا، جاءت فكرة كتابة هذا المقال عن «تمكين الرجل». والهدف من وراء كتابة هذا المقال هو التأكيد على أن تمكين المرأة إنما يأتى فى إطار رؤية أوسع عن تمكين المجتمع ككل، وأن هذه الرؤية تستوعب كل فئات المجتمع، مع ضمان التركيز على الفئات المهمّشة أو الضعيفة، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة. والحديث عن الضعف هنا لا يرجع إلى صفة فى الشخص ذاته، وإنما قد يرجع إلى ثقافة المجتمع ونظرته إلى الشخص المعنى، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة، وقد يرجع إلى ظروف الشخص ذاته وإمكانياته المادية، كما هو الشأن بالنسبة للشباب وذوى الاحتياجات الخاصة وفئة العمال، فلا يجوز إذن وصف «المرأة» أو «الشاب» أو «ذوى الاحتياجات الخاصة» بالضعف، وإنما قد تكون المرأة بألف رجل كما يقولون، وقد يكون ذو الاحتياجات الخاصة أفضل وأكثر نفعاً لنفسه والمجتمع من الأصحاء الأشداء، وقد يكون الشاب أكثر حكمة ورجاحة فى الرأى ممن هم أكبر سناً. ولقد كان ذلك هو الدافع إلى استخدام الحكومة فى دولة الإمارات العربية المتحدة تعبير «أصحاب الهمم» بدلاً من «ذوى الاحتياجات الخاصة»، أو «ذوى الإعاقة».
وفى اعتقادى أن التمكين الحقيقى لا يتحقق من خلال إقرار كوتة معينة فى المجالس النيابية أو الحكومات، وإنما يتجسد من خلال زيادة قدرات الشخص العلمية والمهنية والثقافية والاقتصادية. والتمكين بهذا المفهوم هو تمكين للمجتمع ككل، رجلاً كان أم امرأة، شاباً كان أم مسناً، من الأصحاء أم من ذوى الاحتياجات الخاصة. ولقد بدأ الحديث مؤخراً فى الأوساط السياسية والاجتماعية الأجنبية عن تمكين المجتمعات على مختلف المستويات، التعليمية والثقافية والفكرية والتكنولوجية. وفى تعبير آخر، يمكن الحديث عن التعليم والأمن التقنى والفكرى والغذائى باعتبارها ركائز استراتيجية لتمكين المجتمعات. كذلك، بدأ الحديث عن دور العلوم المتقدمة والمشاريع المستقبلية فى التمكين وتحقيق الرفاهية المجتمعية. بل إن البعض قد وصف التقدم العلمى بأنه السبيل لتمكين الشعوب وتحريرها من سطوة وتأثير الدول الأجنبية. ويتحدث البعض أيضاً عن «إعادة هندسة المجتمع لتمكين أفراده»، عبر توفير إطار عمل وسياسات ضمان اجتماعى مناسبة لاحتياجات الأسرة. وما دمنا نتحدث عن «إعادة هندسة المجتمع»، فلا بد أن يأتى ذكر رئيس الوزراء الهندى العظيم (لن أقول عنه «الراحل» لأن العظماء لا يرحلون)، والخطاب الذى ألقاه فى مؤتمر دول عدم الانحياز فى باندونج عام 1955م، الذى ينبه فيه إلى خطورة الفساد والفاسدين، موجهاً حديثه إلى رؤساء الدول والحكومات حضور المؤتمر، قائلاً: «سوف تجدون فى بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم، لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم المستعمر وفى ظله وفى حِماه، كوّنوا ثروات ورتبوا مصالح، فإلى من سوف تنحازون؟». وختم «نهرو» خطابه بالقول إن «السيطرة الجديدة لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم العلمى.. أنتم متقدمون إذن أنتم سادة.. أنتم متخلفون، إذن أنتم مقهورون، مهما وقّعتم من قصاصة، ومهما رفعتم من قماشة». المجتمعات القوية إذن هى التى تستطيع توظيف كل ما لديها من مقدرات بشرية ومادية ومعنوية فى سبيل تحقيق أهدافها. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال مساهمة كل أفراد المجتمع فى عملية التنمية، الأمر الذى يتطلب إعداد هؤلاء الأفراد وتأهيلهم على أكمل وجه. ولن يستقيم كل ذلك إلا بالقضاء على الفساد، وأن تكون العبرة فى تولى المناصب والوظائف هى بالكفاءة وحدها، يستوى فى ذلك الرجل والمرأة. وانطلاقاً من ذلك، نرى من الواجب أن نشيد بجهود الدولة المصرية فى محاربة الفساد، وما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية من مجهودات عظيمة ومشهودة فى كشف وضبط الفاسدين. ويبدو واضحاً للعيان أن هذا الملف يأتى على رأس أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسى. والله من وراء القصد.