«الكاحول» شخصية طفت على سطح قطاع المقاولات فى مدينة الإسكندرية، مع تصاعد ظاهرة مخالفات البناء، و«الكاحول»، بفتح الكاف وضم الحاء، هو من يختاره المالك الأصلى للمبنى المخالف لينقل له الملكية -على الورق فقط- فإذا انتهت العملية بسلام أفلت المخالف بجريمته، محققاً مكاسب طائلة من المال الحرام، وإذا ما طالته يد القانون أفلت من العقاب، الذى سيناله «الكاحول» مقابل مبلغ زهيد لا يتفق حتماً مع الأيام السوداء، التى سيقضيها خلف القضبان، بدلاً من المجرم الحقيقى.
«الكاحول» له مواصفات وسمات شائعة تغلب على شخصيته، فهو غالباً محدود الذكاء، عديم الكفاءة، قدراته تكاد تكون منعدمة، مستعد نفسياً للانسحاق أمام من يشتريه بأى مقابل، ينظر فقط تحت قدميه، ولأنه أعمى البصيرة فهو لا يفكر ولا يخطر على باله أن يفكر فى مصير أسرته بعد تحوّله إلى مجرم، وهو دائماً يتخيل أنه صاحب «أملاك» رغم أنه مجرد «كاحول».
كل هذه الصفات تنطبق حرفياً على هذا «الكاحول»، الذى خرج علينا من قلب قطاع المقاولات، والذى توهم أن باستطاعته القيام بدور «المهيج الثورى» لحساب آخرين، وليس شرطاً أن يكون الآخرون هم أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، الذين حاولوا كعادتهم استثمار الموقف، هناك أيضاً جماعات الضغط من المحتكرين و«الهليبة»، ممن فقدوا قدرتهم فى السيطرة على مخططات التنمية، والتربح من المشروعات فى أزمنة سابقة، وهؤلاء لا يقلون خطراً على الدولة الوطنية عن الإرهابيين.
«الكاحول» الذى أرادوه «مهيج» تحول فى نظر المصريين إلى «مهرج»، لمجرد محاولات النيل من الجيش المصرى وقياداته، الذين يتمتعون بتقدير واحترام الجميع، بجانب الثقة المتبادلة بين الطرفين التى تراكمت على مدى التاريخ.
الشعب المصرى فى كل ما واجهه من أزمات وصعاب وجد دائماً قواته المسلحة فى صدارة المشهد لمساعدته على تجاوز المحنة، ليس فى نطاق العسكرية فقط، لكن فى الحياة المدنية أيضاً، فعندما احتاج المصريون الجيش مزارعاً وجدوه، وعندما احتاجوه عاملاً وجدوه.. وجدوه صياداً ومهندساً وطبيباً، وجدوه مسانداً للدولة فى كل قطاعاتها، داعماً للاقتصاد القومى، ومساهماً بنسبة كبيرة فى تلبية الاحتياجات الضرورية من السلع الأساسية، الصورة الذهنية لدى العامة عن الجيش تكوّنت من عدة مفردات، مثل الدقة وسرعة الإنجاز والشرف والأمانة، وبعد كل ذلك يأتى هذا «الأهبل»، محاولاً خلخلة تلك العلاقة، ولأنه محدود الإدراك لم يلتفت إلى تسابق عشرات الآلاف من الطلاب، للالتحاق بالكليات العسكرية، لنيل شرف الخدمة فى القوات المسلحة، وكيف يقدمون على ذلك وسط ترحيب وتشجيع الأهل والأقارب والأصدقاء.
ولأن «الكاحول» ضيق الأفق أيضاً، فهو لم يتوقف أمام الإقبال الكبير على مشاهدة فيلم «الممر»، الذى يقدم نموذجاً واحداً فقط لبطولة الضباط والجنود خلال حرب الاستنزاف.
من ورّطوا «الكاحول» فى فعلته تركوه وحيداً، كمن أمسك بسلك كهرباء عريان، ومصيره الأقرب هو الموت.
فشلت الوقيعة بين الشعب والجيش، رغم تكرار المحاولة، وأكاد أجزم بأن هذا «الأهبل» يعيش الآن فى مكمنه خائفاً مذعوراً، ليس فقط من الملاحقة القانونية له، وهى واجبة وضرورية، لكن من مقابلة أى مصرى، ولو بالمصادفة.
القاعدة المعروفة تشير إلى أن من يستأجر «الكاحول»، لا يتذكره إطلاقاً بمجرد انتهاء العملية، ولا يمتن له لأنه رضى ببيع نفسه وقبض الثمن، ويا ليت كل «كاحول» يعى الدرس جيداً، ويعرف أنه مهما قبض من أموال مقابل بيع الوطن، فهو خسران خسران.