يوم الثلاثاء الموافق السابع من يناير 2020م، توفى أستاذنا الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، أستاذ القانون الدولى الخاص بكلية الحقوق جامعة القاهرة، والقاضى فى المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب فى يوغوسلافيا السابقة، حيث شارك فى محاكمة الجنرال الصربى كريسيتش المسئول عن المذابح الصربية. وللراحل الكبير العديد من المؤلفات، نذكر منها «الوسيط فى القانون الدولى الخاص»، «الوجيز فى القانون الدولى الخاص»، «هموم إنسان مصرى»، «آراء قاض دولى فى القانون والحياة». ورغم شهرته الواسعة ومكانته الكبيرة، كان الراحل العظيم زاهداً فى المناصب الإدارية، فرفض الترشح لعمادة كلية الحقوق، رغم إجماع أعضاء هيئة التدريس على جدارته واستحقاقه لهذا المنصب.
وفى العشرين من يناير 2020م، احتفى محرك البحث الأكثر شهرة على مستوى العالم، «جوجل»، بالمحامية مفيدة عبدالرحمن، وذلك بمناسبة مرور 106 أعوام على ميلادها. والأستاذة مفيدة عبدالرحمن أول امرأة تمارس مهنة المحاماة فى القاهرة وأول امرأة تمارس هذه المهنة السامية أمام محكمة النقض فى مصر. وعلى الرغم من أنها كانت تحلم بدراسة الطب، فقد التحقت بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، عام 1935م، بتشجيع من زوجها، وحصلت على الليسانس فى العام 1939م. وحققت «مفيدة» شهرة كبيرة بعد أول قضية تولتها وترافعت بها، وكانت فى جريمة قتل غير عمدى، حيث استطاعت تبرئة موكلها. ونتيجة لشهرتها الكبيرة فى مجال المحاماة، شغلت عضوية مجلس نقابة المحامين. ولم يقتصر دور مفيدة على المحاماة، فكانت أول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس إدارة بنك، وكان ذلك عام 1962م. كذلك كانت مفيدة عبدالرحمن ناشطة اجتماعياً وبرلمانياً، حيث كانت أول امرأة تستمر فى عضوية البرلمان المصرى طيلة سبعة عشر عاماً. وبالإضافة إلى ذلك، شاركت «مفيدة» فى أعمال لجنة تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وساهمت فى وضع قوانين الأسرة. ولكل ما سبق، كان من الطبيعى أن يحتفى محرك البحث الأشهر والأكبر على مستوى العالم بالمحامية الراحلة مفيدة عبدالرحمن. وكان معبراً أن يزدان اسم المحرك بمجموعة من الصور للمحامية الكبيرة، وأن تعبر هذه الصور عن الأدوار العظيمة التى قامت بها فى حياتها، سواء من خلال عملها بالمحاماة أو تحت قبة البرلمان أو فى العمل الاجتماعى بوجه عام. ورغم شهرتها الواسعة ومجهوداتها الاجتماعية الكبيرة، كانت المحامية الكبيرة «مفيدة» أيضاً فى حياتها الأسرية، فلم تشغلها واجباتها الاجتماعية عن مسئولياتها العائلية تجاه أسرتها كبيرة العدد، والتى تتكون من الزوج وتسعة أبناء. وقد كان جميلاً أن يكرس محرك البحث جوجل إحدى صور تكريم المحامية الكبيرة لها ولأسرتها.
إن الدكتور فؤاد رياض والأستاذة مفيدة عبدالرحمن وغيرهما من الشخصيات المصرية القانونية رفيعة المستوى قد أسهمت بدور بارز فيما يمكن أن نطلق عليه «القوة الناعمة القانونية» باعتبارها أحد روافد القوة الناعمة الثقافية المصرية. إن المدرسة القانونية المصرية مشهود لها بالكفاءة والتميز فى العالم العربى من المحيط إلى الخليج. ورغم مرور ما يقرب من نصف قرن على وفاة الفقيه القانونى الكبير عبدالرزاق السنهورى، ما زال اسمه حاضراً بين كل رجال القانون الناطقين بلغة الضاد، متربعاً على عرش الفقه القانونى العربى. ولكن، ورغم مرور السنوات الطوال على وفاة الرواد القانونيين الأوائل، لم تستطع المدرسة القانونية المصرية تعويض هذه القامات القانونية الرفيعة، ولم يستطع أحد من الأجيال اللاحقة تعويض غيابهم، أو حتى الاقتراب من المكانة العالية التى وصلوا إليها. وعلى حد قول المفكر السياسى البارع الحاصل على الدكتوراه فى القانون الأستاذ نبيل عبدالفتاح، فإن الجماعة القانونية كانت أحد محاور ومحركات الفكر الحداثى والتحديثى للدولة والمجتمع المصرى، وذلك بسبب تكوينها القانونى الغربى وفى نطاق العلوم الشرعية أيضاً، الأمر الذى جعلها على اتصال وثيق بالفكر القانونى الدستورى والسياسى الليبرالى، ومن ثم بالأطر الفلسفية والثقافية للقيم الديمقراطية الحديثة، من خلال معرفة اللغات الفرنسية أساساً، والإنجليزية والإيطالية لدى بعضهم، على نحو أتاح لهم الاطلاع المستمر على أمهات المراجع الدستورية والقانونية الغربية اللاتينية وكل ما هو جديد فى فروع القانون المختلفة، على نحو رفد العقلين التشريعى والقضائى بالاتجاهات الجديدة فى القانون المقارن. كذلك، شكلت الجماعة القانونية المصرية أحد أبرز روافد تشكيل النخبة السياسية والحزبية، وكان منها قادة بارزون فى البرلمان والحكومات المتعاقبة فى المرحلة شبه الليبرالية وما بعدها. والأمل معقود فى أن تكون الأجيال القانونية القادمة على ذات القدر من التمكن والتميز والكفاءة.. حفظ الله مصر.