بينما نتحدث عن حقوق المرأة فى يومها العالمى، ونواجه ضيق الأفق المرهون بتفسير خاطئ مجتزأ لتراثنا الدينى، والمربوط بعادات لا أصل لها فى عقيدة.. تأتى سيرة خديجة بنت خويلد. تلك السيدة التى سماها قومها «الطاهرة» حتى من قبل زواجها بنبى الله صلوات ربى وسلامه عليه. فهى المُنسّبة لسيد قومه خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب، ومرة بن كعب هو الجد السادس لرسول الله. وهى المُنشأة على الجاه والعز والثراء والشرف، وهى الحرة التى كانت تتردد على ابن عمها ورقة بن نوفل تقصه هواجسها وأحلام منامها دون أن يتربص بها أحد.
وهى المولودة قبل خمسة عشر عاماً من مولد الرسول الكريم. وهى التى خطب ودها أسياد قريش لحسبها وجمالها فكانت زوجة لأبى هالة التميمى الذى مات عنها لتتزوج من بعده عتيق المخزومى ثم تُطلق منه.
وهى سيدة الأعمال التى كانت تدقق النظر فيمن يعمل لديها وتختار أحسنهم خُلقاً وكفاءة ليحفظ الأمانة ويزيد الربح. وهى من تمنت فى مجلس النساء حينما مر عليهم أحد العرافين منبئاً بظهور نبى أن تكون الزوجة التى تساند تلك الدعوة. وهى من سعت حينما سمعت بأخلاق محمد بن عبدالله إلى توظيفه وحدسها ينبئها بأنه النبى المنتظر، فتترك له تجارتها يسافر بها وترسل معه خادمها ميسرة طالبةً منه أن يتابعه كظله، فيعود لها بمواقف النبى الكريم الذى لم يحلف باللات والعزى، والذى استشعر فيه نسطور الراهب النبوة وتقصى من ميسرة عنه، والذى عاد بأرباح مضاعفة لتجارتها.
وهى السيدة التى لم تتردد حينما أيقنت أن هناك ما يربطها بابن عبدالله، فأرسلت له صديقتها نفيسة تعرض عليه أمر زواجها منه، وهو ما كان رغم فارق السنوات -خمسة عشر عاماً- بينهما. وهى الزوجة الحنون التى قضت مع أشرف الخلق خمسة عشر عاماً ترعى شأنه وأولاده وبناته منها وتتركه لحاله كلما ذهب لغار حراء. ويوم أن جاءها مرتجفاً فزعاً يقول لها: «زملونى» من هول «اقرأ» كانت أول من احتضنته وطمأنته وجرت إلى ابن عمها تستشيره، ليؤكد لها حدسها بأن هذا نبى آخر الزمان، لتعود له وتشهد أمامه بأن لا إله إلا الله وأنه رسول الله. وهى من صبرت على الأذى من قريش بعد علمهم برسالة الله، وهى من عرفت الترف والرخاء منذ نعومة أظافرها، فتصر على الخروج مع زوجها والمسلمين فى شعب أبى طالب رغم أنه كان بمقدورها البقاء بين أهلها. وهى من أخبر جبريل عليه السلام نبينا الكريم بأن الله يقرئها السلام وهى تصعد بطعام وماء له فى غار حراء.
وهى من ماتت بعد زواج دام 24 عاماً مع رسول الله فيبكيها، ويكون موتها بعد أبى طالب بثلاثة أيام، فيكون عام الحزن الذى لم يفارق قلب الرسول عليها، فيقسم بأنه ما أبدله الله بخير منها رغم زواجه بعدها.
تأملت تلك السيرة القوية الشامخة المملوءة بالعزة والحب والمثابرة والتقرب لله، وتساءلت: هل ينطبق على خديجة ما نسبوه لرسول الله واجتزأوه من سياقه فعمموه على كل النساء بينما كان يخاطب الحبيب نساء المدينة كثيرات الجدل والنقاش حين قال لهن إنهن ناقصات عقل ودين؟ ويزيد حديث نفسى، فأسأل: لماذا يستكثرون على النساء القادرات العمل والقيادة وتوظيف الرجال ولنا فى أمنا خديجة أسوة وقدوة حسنة؟ لماذا يستكثرون عليهن إدارة أموالهن وأعمالهن واختيار أزواجهن ومصائر حياتهن؟ لماذا يفسرون الدين بما يقيد المرأة وقد خلقها الله حرة ومسئولة عن إرادتها؟
رحم الله خديجة وكل خديجة.