عزيزى القارئ، طهر يديك قبل قراءة المقال، فلا أحد يعرف من أين يأتى فيروس «كورونا» المستجد.. الفيروسات كائنات عجيبة وغريبة، لكن الأغرب من فيروس كورونا، هو فيروس العبث الذى أصاب بعض قاطنى محافظة الإسكندرية، وبعدها بعض ساكنى حى شبرا بالقاهرة، ممن خرجوا ليلاً، بدعوات إعلامية من تنظيم الإخوان الإرهابى، فى زحف مقدس وتجمهر نورانى ضد الفيروس، هاتفين «الله أكبر» و«لبيك اللهم لبيك»! الذى تبدأ خطوات مكافحته من التزام البيوت واعتزال التجمعات!!
الإسكندرية هى مدينة النور، ولم تصبح بعد مدينة حزب النور، كما يظن البعض، لكن قطاعات منها مضروبة ببكتيريا التدين الشكلى، وسط غياب عام لأساسيات الثقافة وأولويات التحضر، والواقع أن مواجهة الإرهاب لن تحقق فاعلية إلا عبر إيقاف سلسلة تطوره وقطع دورة حياته، التى تبدأ وتنشأ من صعود المظهرية الدينية التى لا تعرف من الدين أبعد من قشرته، وحتى هذه القشرة عادة ما تكون «فالصو» ومبتدعة لا علاقة لها بصحيح الدين. هؤلاء لا يقتربون أبداً من جوهر العقائد.
المظهريون، من كل الأديان، يستعيدون الآن رثائيات اضطهاد أبناء قريش للمسلمين الأوائل، وبكائيات تعذيب الرومان لمن اعتنقوا المسيحية. ولذلك فهم ينوحون ويولولون منذ قررت مؤسسات الدولة حماية المصريين غلق دور العبادة، كى لا يخرج أى مُصلٍ يلتقط العدوى لينقلها لأسرته ومعارفه، وتبدأ كرة الثلج فى التكون والتدحرج وسحق الجميع.
إيقاف الصلاة فى المساجد وتغيير الأذان هى أمور معروفة تاريخياً وحدثت فى أيام المطر والأوبئة، سواء فى عهد الرسول الكريم أو بعده، وهذا مذكور فى كل الكتب الصحيحة، وبوقائع معروفة، لأن أصل الدين هو المحافظة على الناس وتسهيل حياتهم، حتى إن عبدالله بن عباس قال لمن استنكروا عليه أن يأمر بتغيير الأذان فى يوم أزمة: «أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير منى».
أما فى الكتاب المقدس، فإن الله يأمر الشعب على لسان «أشعياء» بالتزام البيوت للصلاة فيها لحين مرور عاصفة، فيقول: «هلم يا شعبى، ادخل مخادعك وأغلق أبوابك خلفك اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب».
«نوح» كذلك، اختبأ من الطوفان فى سفينته، وكان يمكن لله أن ينقذه بسهولة دون بناء أية سفن، ولكن ما هكذا تجرى الأمور، فإن ردد عليك مسلم الحديث الشريف القائل: «كل نفس تستوفى أجلها»، قل له ألا يأخذ إذن بأسباب البقاء، وأن يذهب لإلقاء نفسه من سطح منزلهم، وإن قال لك مسيحى إنه سيلقى بنفسه بالفعل وأن الرب سينقذه، ذكره بالآية القائلة: «لا تُجرب الرب إلهك».
من الأساس، فكرة الخروج للصراخ فى الشارع، ليسمعك رب العالمين هى فكرة بائسة تطعن فى القدرات الإلهية التى تتميز باللا محدودية، فلو أنت همهمت له فسيسمعك، وإن أنت احتفظت بكلامك داخل صدرك فسيعرفه، أنت لا تحتاج إلى صراخ وميكروفونات للوصول إلى السماء. وقد قام الرسول الكريم بالنهى عن رفع الصوت للدعاء، وقال فى الحديث الصحيح: «إنكم لا تدعون أصم أو غائباً، إنه معكم سميع قريب».. بشكل عام الماديات لا تتواصل مع الروحانيات.
مجرد التوجه إلى الله بالقلب يكفى، فالله يشعر بنا دون أن نتحدث، يفهم الأنّات والتنهدات والأفكار، ولو كان الكلام هو لغة التواصل الوحيدة مع الله، لعجز الأبكم فاقد النطق عن التواصل، وهذا غير ممكن، فالله يحنو على الجميع... صلّوا فى قلوبكم.