العناصر الرئيسية فى سورة عائلة موسى المقدسة:
أخوان وأم وأخت - ما سر كلمة عُلواً وأعلى وإنك أنت الأعلى - استكمال دور هارون - السحرة وموسى وفرعون - دور السامرى وكيف استمر تأثير رمال آثار جبريل - ختام قصة موسى برسالة محمد «كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً»
سورة طه.. العائلة المقدسة «موسى وهارون وأمه وأخته» ومقدمة عن الوحى والقرآن لسيدنا محمد، ثم ينفرد سيدنا موسى وحده إذا استثنينا سيدنا آدم، فكلاهما فقط تحدث مباشرة مع الله، وأنزل الله إليهما الوحى مباشرة دون سيدنا جبريل رسول الوحى الدائم.. وغريبة جداً الآية ٢٤ «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»، كان نداءً مفرداً لسيدنا موسى ويلحق به دعاء سيدنا موسى بضم سيدنا هارون، لكن فقط قيل له «قد أُوتيت سُؤلك يا موسى»، ثم النداء الآخر الآية ٤٣ النداء نفسه «اذهبا إلى فرعون» لاثنين من الرجال «موسى وهارون»، «إنه طغى» بعد أن دخل قبل هذه الآية ثنائى نسائى صاحبتا فضلٍ على موسى هما أمه وأخته، مؤكداً أن الوحى نزل من الله إلى أم موسى «إذ أوحينا إلى أمك ما يوحَى»، أى كلام مباشر من الله لها، ما هذه المكانة العظمى؟ وتؤكد الآيات أن وحى الله لها ظل سراً بينها وبين الله، لعل موسى نفسه لم يعرفه، ثم يكرّم الله هذه السيدة، بل وكل الأمهات، كيف يرق الله سبحانه لألم السيدات فى الولادة وفى الحضانة، وكيف ينفطر قلبها على ولدها فى الآية ٤٠ «فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها»، إذ لم تنم منذ أخذ منها موسى وألقته هى بنفسها فى البحر، ولا تحزن لفراقك، فهنا وصف دقيق لكل أُم يغيب عنها ابنها، فأدعو لأمهات الشهداء، فالله وحده يعلم كيف يتمزّق قلوبهن انفطاراً على أبنائهن، ثم ثنائى رجالى «موسى وهارون»، تتوجه إليهما الآيات ٤٢ و٤٣ و٤٤ «اذهب أنت وأخوك»، ثم «اذهبا إلى فرعون إنه طغى»، ثم مضاعفة الآية 24 التى تشير إلى موسى، ولتربط بينها وبين الآية 48 التى تشير إلى الأخوين معاً، وكأن السورة تؤكد أن موسى رسول لا ينجح دون وزير هو هارون، ولكن الآية ٤٨ حرصت على أن تكون باسم المبعوثَين معاً، لأن كليمها هو آخر كلام الوحى الذى أنزل عليهما إن جاز لنا أن نعترف أن الله حينما قال «قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى» أن الله قد اختار هارون رسولاً بنفس درجة موسى، عليهما السلام، وتؤكد فى متنها أن النداء الأول فى الآية ٢٤ كان لموسى وحده، لكن النداء تضاعف للرقم ٤٨ فى تعداد الآيات بختام تكليف سيدنا موسى وهارون بكل الرسائل التى كلِّفا بها من الله بداية من إعلانهما المزدوج الذى بدأ فى الآية ٤٢ «اذهب أنت وأخوك»، عكس النداء السابق المنفرد لموسى وحده، ثم الآية ٤٣ «اذهبا إلى فرعون»، ثم الآية ٤٤ «فقولا له قولاً ليِّناً»، ثم الآية ٤٥ «قالا ربنا إننا نخاف»، ثم الآية ٤٦ «قال»، أى الله سبحانه «لا تخافا» بخطاب ثنائى، ثم الآية ٤٧ «فأتياه فقُولا إنّا رسولا» ٤ كلمات ثنائية، ثم الآية ٤٨ وهى ختام حديثهما لفرعون، مؤكدة أنه ليس كلامهما، وإنما الكلام الذى طلب منهما الله نقله لفرعون بقول لين فيختتما رسالتهما بقولهما «إنا قد أوحى إلينا»، أى ليس كلامنا، وما هو متن الرسالة وأصل التكليف؟ ما يلى: افتتاح الكلام مع هذا الحاكم الجبار «قد جِئناك بآية من ربك» وأرجو أن تلتفت إلى إصرارهم على إعلان أن فرعون له رب رغم أنه وهم يعرفون أنه يدّعى أنه إله، أى ضرب عقيدته وشعبه فى الصميم «والسلام على من اتبع الهدى»، كأى مرتد أو ناكر ملك أو غير ملك، ثم «إن العذاب على مَن كذَّب» أولاً «ثم تولى»، أى ابتعد عن الله والوحدانية، ثانياً وفجأة التفت فرعون مذعوراً إلى أنه أمام إنكار لعقيدته وهدم ملكه واعتباره فرداً مثل باقى أفراد الشعب فهب مذعوراً «مَن ربكما»، فأكملا الوحى والتكليف بأن ربنا هو «الذى أعطى كل شىء خَلْقه»، أى صورة مخصوصة به لا تتكرر أبداً، فلا أحد من البشر تكرار لنسخة أخيه، حتى لو كان توأماً «ثم هدى»، أى أن الهدى هدى الله بالفطرة، لكن الوثنيين هم الذين يشوهون هذه الفطرة، فأراد فرعون أن يوقعهما فى الخطأ بسرد سيرة كل أجيال وأمم البشر السابقة، فهربا من فخه مؤكدين خلود الله الباقى الواحد الأحد «قال علمها عند ربى»، وهنا نلتفت إلى أن الآيات ٥١ - ٥٢ تستخدم تعبير فرد واحد، وليس اثنين، وأكاد أثق أنه حديث هارون وليس موسى، لأنه ليس فقط سليم الكلام بلا لسان ألثغ مثل موسى، ولكن واضح أن خبرته فى الحوار والخطابة متميزة وهو حكيم وليس متهوراً، مثل موسى الذى قتل وجرى وخاف وخاض معارك وكاد يكون عليه السلام فتوةَ المنطقةِ كلها من تل بسطة إلى العقبة إلى أهل مدين عند شعيب، لذلك كان اختيار هارون وزيراً، أى ناصحاً حين اللزوم، وينقذ الموقف بلباقته ولغته الفرعونية الهيروغليفية الواضحة التى يفهمها فرعون جيداً، والذى بدا مستسلماً للتصديق لرسالتهما إلا أن كُفره غلبه، فدعا السحرة لمغالبة الرسولين وتلك قصة أخرى بمعجزات أخرى.
إن سورة طه تشرح مسيرة سيدنا موسى وهارون وأمه وأخته عبر آيات متتاليات لتصل بها إلى رسالة محمد وكأنها تنقله من التوراة إلى القرآن مباشرة ولمَ لا والتوراة شريعة والقرآن شريعة، أما الإنجيل فهو تخفيف لشريعة التوراة، ولذلك كان سيدنا عيسى رحمة وزكاة أكثر منه عنفاً وجسداً، كما كان موسى الذى طغت عليه وعلى ديانته المادية فى كل شىء، حتى إنه طلب أن يرى الله، وطلب منه اليهود أن يعرف اسم القاتل فكانت قصة البقرة التى راوغ فيها اليهودُ موسى، والتى رمى جلدها على الميت، فأصبح حياً، لينطق مَن القاتل.
إن السحرة وهم من المصريين العاديين كان لديهم إيمان عميق بالله الواحد الأحد وأن سحرهم لتنفيذ تعليمات فرعون كان مجرد مهنة حاوى الألعاب الذى يُسلى الناس، ولما جاء الموقف الجاد واللحظة الحاسمة وجدنا ما يلى:
المصريون منذ عهد الفراعنة يخرجون للفُسحة يوم شم النسيم الذى سُمى فرعونياً يوم الزينة، وعلى المؤرخين تصحيح أسماء الأماكن والأشخاص طبقاً للقرآن، وليس العكس، فنحن أمام تاريخ حقيقى للأحداث والأماكن والأشخاص، فالزمان عيد الزينة، أى عيد الزهور المرتبط بفرحة المصريين بنهر النيل، ولعلها رسالة إلى إثيوبيا بأن النيل جزء من التاريخ المصرى عبر حضارة ٧٠٠٠ سنة. ثم إن السحرة تيقنوا بعقيدتهم السليمة أن موسى نبى توحيد، وليس داعية شرك، كما تعوَّد الفراعنة، فأسلموا له كنبى وسجدوا لله موحدين، ولعل هذه الفقرة لم يتوقف عندها المؤرخون بأن مصر عرفت التوحيد لله، والسجود لله قبل كل الديانات، فهى بلد الموحّدين، ولم يكن إخناتون إلا موحداً بالله، و«تل العمارنة» عاصمة التوحيد، وإدريس المصرى، الذى رفعه الله إليه قبل رفع عيسى، ما هو إلا نبى توحيد مصرى، إذاً رسالة التوحيد نزلت على مصر قبل كل العالم، ولذلك ليس صدفة أن يزورها إبراهيم وموسى وعيسى، ويسجلها محمد صلى الله عليه وسلم دار رباط إلى يوم القيامة.
أما السامرى فهو شهادة من القرآن بأن مصر كانت حاضنة الهجرات من قوم يوسف وبنى إسرائيل إلى من فر من سامراء العراق بعد هدم حضارتها، لتسجل أن مصر ورثت حضارات بابل وسامراء وأرمينيا، وكانت سورة الفجر تسجيلاً دقيقاً لذلك، «هل فى ذلك قسم لذى حجر» (أى صناع حضارات الحجارة من الأهرام إلى حدائق بابل المعلقة) إرم، مدينة آرام، عاصمة أرمينيا بشمال العراق، بلد إبراهيم، فهو ابن آرام أو إبرام أو إبراهام باليهودية، و«إرم ذات العماد»، أى الأعمدة العالية، «التى لم يخلق مثلها فى البلاد»، ثم حضارة الحجارة الثانية، وهى ثمود «الذين جابوا» الصخر من الجبال، إلى الأودية، سواء بالقرب من مدائن صالح أو حتى بجوار المنازل المنحوتة بالجبال بمدينة البتراء بالأردن، ثم الحضارة الثالثة التى جمعت بين الحجارة والعلو باختراع المسلات، وهى الرمز الرئيسى للفراعنة، هى حضارة الفراعنة «وفرعون ذى الأوتاد».
وختاماً: فإن يوكابد بنت لاوى أم موسى وكلثوم أخته دخلتا تاريخ النساء من أوسع الأبواب وما سبقهما إلا امرأة فرعون المؤمنة آسيا، وكذلك مريم ابنة عمران، التى قيل إن أخت موسى أيضاً كانت تحمل اسمها، ومن المؤكد صلة القرابة بين آل موسى وآل يعقوب، فكلاهما من بنى إسرائيل الذين احتكروا النبوة بإذن من الله كأبناء إسحق من إبراهيم حتى نزعها الله منهم ليعطيها لأبناء إسماعيل من إبراهيم، وكان خير البشر من ولد آدم حفيد إسماعيل الذبيح وإبراهيم الحريق، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم.